أيمن جبر
اللوحة: الفنان الألماني روفوس كريجر
لو سقط شعاع الضوء على لوح زجاجي مقلم “مكون من قطع طولية” بألوان مختلفة؛ سيخترق الشعاع الزجاج فيخرج منه بطيف من الألوان، ثم يسقط على كل واحد فينا بحسب موقعة من دائرة الألوان.
فلو تخيلنا أحدهم يجلس في مسقط الشعاع الأزرق، سوف يرى كل شيء مَصْبوغا باللون الأزرق. بينما جيرانه مغمورون بألوان مختلفة. وهكذا ستكون آرائه وأفكاره مُشبعة باللون المَسجون فيه. ولهذا هو ليس حرا؛ فالحر هو الذي يرى الشعاع قبل أن يخترق الزجاج ويتمايز إلى ألوان.
سيظل سجين اللون الساقط عليه؛ ولن يتحرر إلا بالتزحزح عنه. وحين ينتقل إلى بقعة أخرى ذات لون مختلف حيث يقعد جاره، سوف تجتمع له خبرة لونين من الألوان الساقطة عبر الزجاج المقلم. كأن يتحرك من اللون الأزرق إلى الأصفر فيرى الدنيا كلها صفراء. وهنا تظل المشكلة مُلونة.
سيقوم بتغيير وجهة نظره فقط بتغيير مكانه؛ ولكن سيظل واهما أنها الحقيقة، بهذه الخطوة المفردة الناقصة؛ هناك مكسب مُهم وهو أنه أقتنع أن هناك وجهتي نظر تتوقف على اللون أو الموقع. الذي يجلس فيه
الحل هو ان يجعل كل الألوان تتفاعل وتنضم إلى بعضها؛ وكلما أضاف لونا زادت الشفافية حتى ينتج في النهاية النور الصافي الأصلي، الذي هو أصل كل الألوان، ويدرك أنه كان واقعا تحت ألوان الطيف.
ليس شرطا أن تترك موقعك؛ وليس شرطا أن تترك عقيدتك؛ تنقلك لن يريحك لأنك ستترك أحد الالوان، لا بد أن تتجرد من اللون الذي أنت واقف فيه؛ في الآخر كل الالوان لها أصل، انت تحلم بالألوان وأنت مغمض العينين؛ وهذا دليل على أن داخلك مَلكة رؤية الألوان ببصيرتك.
الكل متوهم الصحة؛ لأنه يتخيل ويفهم من خلال مرور الأفكار على خط الزمان والمكان اللذان يمثلا الزجاج المقلم، فنحن نرى من داخل الزمان والمكان، فلو خرجنا خارجهما من الناحية الأخرى للشباك؛ نستطيع انا نشاهد بقية الالوان من الخارج، قبل سقوطها على الزجاج الملون، فنرى اللون الشفاف الصافي، وإلى أن تأتي اللحظة التي يكون بصرنا حديد ونرى من خارج خط الزمان والمكان؛ أو نرى من الجانب الآخر للزجاج الملون؛ علينا أن ننتقل بسبر الأفكار كلها بإخلاص صاف وتجرد لتقبل الحقائق بلا ألوان.