د. خالد عزب
صدر عن دار الشروق كتاب (وسط البلد.. ما وراء الحكايات) الكتاب يعتمد على طرح تصورات لوسط القاهرة التاريخي عبر مفهموم انثربولوجيا المكان المرتبط بالتعبير بالصورة أكثر من المادة المكتوبة، ويبدأ بمقاربة لمايكل ميتشل عن التصوير الفوتوغرافي وتاريخ وسط البلد، وهنا هو يستعير تشبيه القاهرة بالمانجو الكبيرة كتعبير، مجازي فكما تتعدد طبقات القاهرة الاجتماعية والعمرانية وتتسم المدينة بالروح الحلوة التي لا تضاهيها سوى حلاوة المانجو الشهية، لننتقل إلى محررة الكتاب التي تؤرخ للتصوير الفوتوغرافي في مصر فهي ترى أن تمصر التصوير الفتوغرافي لم يبدأ إلا في عشرينيات القرن العشرين، وهو رأي في حاجة إلى مراجعة إذ بدأ تمصير التصوير الفوتوغرافي في أواخر القرن التاسع عشر وهناك العددي من ألبوات الصور التي لم تنشر لمصر في عصرنا صورها مصريين تعلموا من مصورين ايطاليين ويونانيين عملوا في القاهرة والاسكندرية والمنصورة وطنطا وأسيوط على سبيل المثال، ان اعادة اكتشاف التصوير الفتوغرافي لمصر لابد أن يرتبط بعدد من المصورين المميزين مثل رشاد القوصي الذي صور بعيدا عن عمله في الصورة الصحفية، وهو جانب لم يجري الكشف عنه بعد، قيمة الكتاب في اعادة تقديمة للصورة الفوتوغرافية التي تنقل لنا الكثير، الصورة كوثيقة قادرة على التعبير القوي، لذا فهذا الكتاب في حد ذاته وثيقة لوسط البلد في عصرنا قدمت برؤية المشاركين في اعداده ومن هنا تأتي أهميتة، زينيا نيكولسكيا قدمت لنا أسماء مصرية شابة في فضاء التصوير مثل ايمان هلال وروجيه أنيس ومحمد مهدي وبسام ايهاب، واشادت بهبة خميس التي فازت بالجائزة الأولى لمصر في مسابقة التصوير الفوتوغرافي للصحافة العالمية، انني من هواة وسط البلد لكن صور الكتاب جعلتني أعيد النظر في وسط المدينة مرة أخرى، ففندق كارلتون الذي يعود لسنة 1935 عائلة الأبحر وما زالت تديره، يستحق الزيارة عدة مرات فأثاثه الروستيك ملفت للنظر، فضلا عن الروف المطل على المدينة والذي يجعلك تعيد النظر في جمال معمارها مرات، يجذبك لزيارة الفندق، ويمكنك اكتشاف مطعم الحاتي مختبئا في أحد الشوارع الفرعية، افتتح المطعم في ستينات القرن العشرين وظل يعمل حتى عام 2011 وأغلق في عام 2015 ليعود للعمل مرة أخرى، ما يسترعي الانتباه هو أن المطعم استخدم الخط العربي والزخارف الاسلامية في تأكيد هويته بأنه يقدم طعام على المذاق الشرقي، وهو بهذا يخالف الكثير من مطاعم وسط البلد، فتحولت جدران المطعم وأثاثه إلى لوحات فنية يصعب نسيانها، إن المدهش في وسط القاهرة هو ادراك أهلها قيمتها وأنهم يشكلون نسيجا من التراكم التاريخي والتراثي الذي لاغني عنه لنعرف المكان، ومن ذلك مطعم الالفي بك الذي تأسس عام 1938 وما زال بذات أثاثه وقائمة الطعام التي يقدمها حتى أن العاملين به ورثوا أماكنهم من أبائهم، هذا ما نلمسه مما كتبته هبه حبيب عن مذاق وسط البلد في الكتاب والذي عكسته كاميرا يحيي العلايلي بروعة زوايا التصوير، لنرى في صور كريم الحيوان حراس وسط البلد الذين قدم لهم الصحفي سيد محمود بحسه الناقد للتحولات السلبية مع نمو طبقة من الرأسمالية الطفيلية في مصر، يقابلها مقاومة للحفاظ على إرث وسط البلد تبرز من هؤلاء الدكتورة جليلة القاضي التي كرست حياتها لدراسة هذه المنطقة وأنتجت عدد من الأبحاث الهامة، لكنني كثيرا ما كانت تدهشني معروضات صالة مزدات كاتساروس بشارع جود حسني والتي يديرها الآن مجدي سليمان، الصالة جزء من تاريخ الفن في مصر خاصة الفن الأوربي وفن النجارة الحديث المستوحى من الفن الاسلامي فضلا عن لوحات الفن التشكيلي وغيرها، كانت الصالة قديما تعج بمن يقدرون الابداع الفني، لكن هذا الكتاب ينبهنا إلى أهمية صالات المزادات للأنتيك في وسط البلد كجزء مهم لتأريخ للمنطقة.
ولان الصورة لها مساحة كبيرة في الكتاب فسوف أدعك عزيزى القاريء مع عدد من صور الكتاب التي تشكل حلقة في سلسلة طويلة من الصور التي تؤرخ للتطور العمراني وتطور الحياة في وسط البلد.