التفاوض وسيلة التفاهم 

التفاوض وسيلة التفاهم 

أيمن جبر

اللوحة: الفنان المغربي عمر كوران 

«الساعة الخامسة والعشرون» كتبت هذه الرواية الشهيرة قبل الحرب العالمية الثانية، بهدف التحذير من القادم، الساعة الخامسة والعشرون؛ هي ساعة فوات الأوان، في العادة؛ الساعة الرابعة والعشرين يتلوها الساعة الواحدة، فالزمن يدور والأيام تتوالى في دائرة مستمرة، ولكن عندما تأتي الساعة الخامسة والعشرون؛ فهي تمثل اللحظة التي تكون فيها كل محاولات الإنقاذ عديمة الجدوى، تكون أشبه بساعة القيامة.

أعجبني هذا الحوار، الذي اقتبسته من الرواية؛ الحديث بين يهود روس معتقلون يقومون بأعمال شاقة مثل حفر خنادق وعمل تجهيزات للحرب. يقول الرجل الحكيم للشاب المتصلب في موقفه:
«إننا معشر اليهود؛ نمتاز بخاصية لا يجارينا فيها أي شعب من شعوب الغرب،
 
إننا نعرف كيف نساوم ونعقد الصفقات، إن شعبنا حكيم، يُقدر التراضي ويَحتقر المواقف المَغيظة، إن الذي يستطيع توفير العنزة والملفوف معا؛ رجل عاقل.
إن الموقف العنيد الذي تتخذه أنت، خاص بالشعوب البربرية، الشعوب العسكرية
 
إن الأمم الراقية والمهذبة تستطيع نيل مشتهاها باتخاذ مواقف متعددة معا؛ فتنتقي من بينها دائما» انتهت الفقرة المقتبسة.
ينبه الحكيم اليهودي الشاب اليهودي المتعنت في موقفه، إلى رقي التفاوض،
تذكرني تلك الفقرة بصلح الحديبية الذي كانت شروطه في ظاهرها قاسية على المسلمين ولكنها كانت فتحا مبينا. وفي غزوة الأحزاب، فاوض النبي صلى الله عليه وسلم غطفان على ثلث ثمار المدينة مقابل أن ينسحبوا من جيش الأحزاب الذي يحاصر المسلمين ويريد أن يُفنيهم، ولو كان هذا التفاوض الذي فيه تنازل يعتبر إثما ومَنهيا عنه؛ لما فعله النبي الكريم.
السيرة النبوية تمتلئ بالواقعية والحكمة واللين، هذا يجعلني أتساءل: من أين أتينا بمفهوم ونفسية التصلب والتمترس وراء مبادئ وشِعارات تتركنا بلا خيارات؛ نموت دونها أو ننالها؟ وفي كل مرة نموت ونترك الناس وراءنا أسرى لثمرة تيبس مواقفنا وفقداننا للمرونة، فالأمم التي لا تتفاوض تقوم قيامتها ويفوت الأوان بلا رجعة.
بدون التفاوض الزيجات تفشل أو تتجمد، الفرد يخسر أو يُسحق، الجماعات تقهر أو تقتل، الدول تهزم أو تسحق، فالتفاوض يضع في الاعتبار عوامل كثيرة واقعية. قد يصل التفاوض لطريق مسدودة ونصل لنفس النتيجة، ولكن هذا هو النادر، فدوما هناك وسيلة للتفاهم.. لماذا قمنا بنحت أحجار التصلب والتمترس وراء الحل الوحيد من الدين!الحل الوحيد الذي ليس معه بدائل.
نحتاج أن نضع في قمة الصفحة عنوان التفاوض، ثم ندرسه في مقالات وأطروحات، ونضع له فلسفات تناسب الواقع، فالإنسان الذي يُضحى بنفسه كفداء للعقائد والشعارات والمبادئ، يجب أن يعلم أن نفسه التي يضحي بها بسهولة؛
سوف تكون أفيد لعقيدته ومبادئه وللناس لو عاش لها وبها، بدلا من أن يتهور فيموت من أجلها دون تجربة ودراسة كل الحلول البديلة.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s