فواز خيّو
اللوحة: الفنان الإنجليزي كونروي مادوكس
عام 1989 صدر ديواني الأول (سفر في الجنون) ولقي استحسانا كبيرا، وفي المطابع سلّموني التصحيح، فأصبحت مهمتي مكتبية، أصحح أوامر العمل والطباعة.
كنت أرسل قصيدتي بالبريد إلى جريدة السفير في بيروت حيث لم يكن قد وجد الإيميل والفاكس، وخلال أيام أراها منشورة، بينما كانوا يرهقوني في القسم الثقافي في جريدة الثورة حتى ينشروا لي قصيدة.
وبسبب طبيعتي الساخرة التهكمية كتبت مرة قطعة صغيرة في صفحة المجتمع فنشروها، تلك القطعة التي ستغير مجرى حياتي.
كنت أرى الصحفيين والصحفيات يأتون إلى الجريدة في الساعة العاشرة، ويغادرون في الواحدة. وأنا غاطس في الشحم والزيت من الثامنة صباحا حتى الثالثة ظهرا. كم تمنيت أن أكون مثلهم كي أتخلص من الدوام المرهق والشحم والزيت فقط. لم يكن يخطر في بالي يوما أن أكون صحفيّا، وتوظفت في مطابع الجريدة كي أستطيع نشر قصائدي.
كانت سيارة الجريدة تحضرنا وتأخذنا إلى بلدة جرمانا. مرة جلستُ في المقعد الأمامي، جاء مهندس طويل القامة وقال لي: هنا مكان المعلمين، قلت له: إذا كانت (المعلميّة) في الطول سأنزل لتجلس مكاني، أما إذا كانت (المعلمية) ليست في الطول فأنا جالس في مكاني الطبيعي، حدّق بي بدهشة وجلس في المقعد الخلفي، وبعد هذه الحادثة صرنا أصدقاء.
حين صدر قرار تثبيتنا كموظفين هممتُ بالاستقالة لأني لا أستطيع الاستمرار في المطابع، ومن الصعب نقلي إلى التحرير حسب تصوّري، لكن الأستاذ جميل بدر منعني وقال: الآن بعد التثبيت تستطيع الانتقال إلى التحرير لأن المؤسسة واحدة. فبقيتُ وارتحت حين استلمت التصحيح. وعلى أثر صدور ديواني الأول وافقوا على نقلي إلى التحرير قسم الوكالات.
كان جوّا جديدا، وكنت سعيدا بأن يكون حولي ماكينات لأهم وكالات الأنباء العالمية، تاس وفرانس برس ورويتر، ترمي الأخبار أمامي على مدار الساعة، وأنا المولع بمتابعة الأحداث.
بعد أشهر قليلة جاءنا عميد خولي رئيس تحرير جريدة تشرين وأصبح رئيس تحرير الثورة.
أراد إحداث التغيير، ففي أحد الاجتماعات سأل: من يكتب هنا زاوية ساخرة لننشئ زاوية ثابتة؟
قال له أمين التحرير طالب أبو عابد: ثمة شاب اسمه فواز خيّو قرأت له قطعة لطيفة في صفحة المجتمع، فثارت ثائرة محرري القسم الثقافي، وهذا في المطابع فأخرسهم عميد خولي قائلا: لماذا ثرتم ضده فهل سيفرض نفسه علينا؟ ليعطنا إنتاجه فإذا أعجبنا سننشر وإلا فلا.
طلبني طالب أبو عابد وحدثني بما حصل، وطلب مني كتابة عدة نماذج لتقديمها للسكرتيرة.
وقفت أمام فرصة العمر وتحدّ كبير. قدمتُ نماذج، وحتى لا يدّعي أحد بأنه لم يأخذ فرصته؛ كان عميد خولي يوميا ينشر زاوية لأحد المتقدمين، وبعد شهرين تم اختيار ثلاثة أشخاص للزاوية، (أبجد هوز)، أنا والناقد السينمائي رفيق الاتاسي وخيري عبد ربه.
يكتب الصحفي ربع قرن ليُسمح له بالكتابة على الصفحة الأخيرة، لأنها مُخصّصة لكبار الكتاب، وتكون أول مادة لي على الصفحة الأخيرة؟. كل حياتي بالمقلوب.
خلال ثلاثة أشهر صار القراء يتابعون الجريدة ليقرؤوا زاويتي، وفي استبيان أجرته الجريدة عام 1994 تبين أن 44% من متابعي الجريدة يتابعونها ليقرؤوا زاوية (أبجد هوز) لفواز خيو، وحل ّ بعدي ثانيا ركن الكلمات المتقاطعة مع الأسف.
من رواية «تقرير إلى غودو» (تحت الطبع) للكاتب السوري فواز خيّو
ممتاز.
إعجابإعجاب