هناء غمراوي
اللوحة: الفنان الروسي خاريتون بلاتونوف
وأنا اتصفح مجلة قديمة منذ أيام، عثرت على خبر يتعلق بالأميركية «أوبرا وينفري» التي توجت ولفترة طويلة كأهم مذيعة وإعلامية في كل الولايات المتحدة. الخبر كان سيبدو لي عادياً لو انه اقتصر على سرد سيرة ذاتية عادية، شأن باقي المشاهير؛ زيجاتهم المتعددة، اسفارهم، ارصدتهم الضخمة في البنوك… الى ما هنالك.. ما لفت نظري كان بعيداً عن كل هذه الأمور.
ما زلت أتحدث عن أوبرا وينفري ذات الأصول الأفريقية، التي كانت واضحة في ملامحها ولون بشرتها. تلك الطفلة التي تربت في أحد الأحياء الاكثر فقراً بسب انفصال والديها، والتي تعرضت لأبشع أنواع الاغتصاب ما بين سن التاسعة، والرابعة عشرة. هذه الفتاة نفسها استطاعت ان تباشر حياتها المهنية كمقدمة برامج مباشرة بعد دخولها الجامعة وقبل أن تتم عامها التاسع عشر، لتصبح بعد أقل من عشرين سنة أهم مذيعة وأهم مقدمة برامج، بل ونجمة الإعلام في الولايات المتحدة قاطبة. وصارت ثروتها تقدر بملايين الدولارات.
حتى الآن ما زال الخبر بالنسبة لي عادياً، لكن الخبر الصادم هو ما تناقلته وسائل الإعلام خلال تكريمها على منصة أحد اكبر ملاعب الكرة بعد إعلان اعتزالها، الحدث الذي لفت أنظار العالم إلى هذه السيدة العظيمة، أنها استطاعت أن تغير مصير آلاف البشر بعطائها المتواصل السريّ الذي استمر لسنين عديدة، ولم يكشف النقاب عنه إلا في مهرجان التكريم الذي أقيم لها، وشارك به حوالي ٤٥٠ شخصاً من حملة الشموع جاؤوا ليقولوا لها: شكراً، نحن اليوم هنا بفضل عطاءاتك. وكان من بين هؤلاء خمسة هم الآن اساتذة في جامعة هارفرد، وقد صرح أحدهم في كلمته التي القاها: لولاك أوبرا لكنا في مكان آخر بعيد تماماً.
الحقيقة، لست هنا اليوم للحديث عن فضائل سيدة معروفة تجاوزت أعمالها الخيرية حدود بلدها، عندما خصصت 51 مليون دولار أميركي لتعليم الفتيات اللواتي ينتمين إلى أسر فقيرة في أفريقيا، مناسبة الحديث أننا في شهر رمضان المبارك، حيث يُكثر فيه المؤمنون من صدقاتهم تقرباً من الله وطمعاً في عفوه وجنته، وكذلك في مضاعفة الرزق الذي يحصلون عليه. وقد درجت في المدة الأخيرة عادة صارت ملفتة للنظر؛ وهي أن هؤلاء المحسنين سيما الأثرياء منهم صاروا يستغلون هذه المناسبات، ويحولونها إلى مهرجانات خلال دخولهم الى الأحياء الفقيرة لتقديم بعض صناديق المساعدات التي تحوي بعض أكياس الأرز والسكر والتمر..
مهرجانات إعلامية، يتقدمهم المصورون والصحفيون ليوثقوا الحدث بالصوت والصورة أيضاً، وقد أبلغني أحد الاصدقاء عن واقعة حصلت منذ ايام في أحد الأحياء الشعبية خلال توزيع صناديق المعونة، بأن أحد الأشخاص المتعففين، وبعد ان تم تصويره تخلى عن حصته ورماها أرضاً طالباً من المصور مسح صورته فوراً وغادر المكان.
فعلاً العطاء هو ثقافة قبل أن يكون واجباً دينياً وانسانياً. رمضان مبارك، وكل عام وأنتم بخير.
موضوع مقال ( أوبرا وينفري) رائع.. وللاسف في مجتمعنا العربي المتدين لا يوجد وسائل خير تصب في المستقبل.. فهؤلاء الذين أصبحوا بروفيسور في هارفارد استفادوا وأفادوا المجتمع.. بينما الدول العربية مازالت لا تعرف في أغلبها سوى الصدقة المباشرة التي تحتوي على طعام وملابس وعلاج .. لا يوجد إسهام في تعليم ولا تربية ولا صناعة .. تحياتي وتقديري
إعجابإعجاب