مارا أحمد
اللوحة: الفنان الفرنسي نصر الدين ديني
حبوت على أربع وكان جسد أمي الخامس.. ثم وقفت على قدمين وكانت يدا أمي الثالث والرابع..
استلت يدها من يدي متخلية عني، كانت تنفذ بروتوكول اسمه الإعداد والتأهيل، ولكن أبدا لم أكن مطيعا، كنت أختبئ بين إبطيها وأدس رأسي بين ضفتي نهر صدرها ارتشف رائحتها، وهي تدفعني بعيدا بإشارة من إصبعها محذرة ونظرات عينيها المبدورة رحمة وعطف.. ترسل لي بكلمات عن بديهيات الحياة..
كانت تمد يدها إلى ذلك الباب الذي يؤدي إلى الناس والرصيف والعجلات، وأنا مازلت بعد أتنفس هواء محيطها، كلما أخذت بيدي إلى الخارج وبوابة المدرسة كنت اهرب إليها، لم يكن ذلك من اتفاقنا، لم يكن من طموحاتي أن أتعلم قيادة جسدي وعقلي إلى ازقة وحارات وشوارع المدينة، كنت أكتفي بحبوي بين جدران حجرتها، أروح وأجئ بين عينيها.
كانت تلمح لي بين فينة واخرى أنها ستغلق الأبواب دوني و يجب أن أعتاد أن أكون طفلا مستقلا، فشابا حرا، فرجلا يقيم أمته الخاصة، فطمتني عن اعتمادي على يديها وجلابيتها ثم رقدت على جانبها الأيمن وراحت في نومة، لتترجل عن قفص كان يضيق بنا ولا يسع إلا أنا وظلي، لأمارس طقوس الحج إليها، اتجه كل ليلة لأجتاز بوابة النوم إليها، لأظل دوما الجسر المؤدي إلى واحتها، هكذا دواليك أفتش عن عينيها وعطرها المميز وكفها بوصلة الأمان فيعود كفي خاويا، يعاني صدى الفراغ، وتعود عيناي وقد تشققت عطشا إليها، أرتمي في حضن النساء أتذوق الأمان الناقص ورائحة أجنبية لا تروق لأنفي، وبصمة حضن لا تطابق بصمتها، تركتني أعارض عدم حضورها ولا منصت، أكذب يقين غيابها ولا مصدق، وأتلقى بروتوكولات لم اخط بنودها.
لم يقترعوا لأقبلها أو أرفضها، هكذا تعلن حقوق الإنسان.
الآن اتقصى آثار أمي أتتبعها كما طفل يتبع نقاط حرف الألف ليتعلم الكتابة والتواصل مع الآخرين، يقع ابني، أشير إليه بأصبعي أن انهض وانفض غبار الفشل وواصل السير، لا تمد يدك طلبا للمساعدة، وكلما امسك بقميصي مزقت طرفه ليعتاد الحرية، يعود كفه ليلمس فراغ يحدثه غيابي.. أدركت أني شرنقة يحتمي داخلها ويتغذى منها حتى يشب فراشة تحج إلى النور..
وأني ساخطو قريبا إلى الحلم لألتقي بأمي لتمتلئ كفوفي بعرق يديها ويعود النور إلى أحداقي.
عزيزتي مارا أحمد
تكتبين بعفوية وأناقة.. سعدت بالقراءة.
مودتي.
إعجابإعجاب
جميل ان نرى ابناءنا اشخاص مستقلين قبل ان نغادرهم. الأسلوب جميل والصور التي رسمتها الكلمات أجمل.. تحياتي وتقديري
إعجابإعجاب
سعيدة ان تلقى كلماتي رضا وقبول وأذن متذوقة
إعجابLiked by 1 person