البحث عن الأمان ونبذ الفرقة في ترنيمة حنان عبد القادر

البحث عن الأمان ونبذ الفرقة في ترنيمة حنان عبد القادر

د. عبد القادر المحمودي

إن المتصفح لديوان “دندنة” للشاعرة المصرية حنان عبد القادر، والذي قدم له شاعر العامية الكبير الشاعر أحمد فؤاد نجم مراهنا عليها كشاعرة تستطيع سبر أغوار الشعر العامي بموهبتها كما استطاعت أن تضع بصمتها في عالم شعراء الفصحى، وأن الشاعر بداخلها سينتصر على كل ما عداه، والمرأة التي تلد مثل الشاعر العاشق تستطيع أن تلد مشروعها الشعري بسلاسة، وصوت حنان عبد القادر صوت عذب البوح، فصيح العشق، بديع النغم.

إن المطلع على قصائد الديوان، معظمها، لا يمكن أن يمر مرور الكرام أمام قصيدة: “ترنيمة” دون أن يمنحها من وقته وفكره وتأمله، فالشاعرة فيها تأسرك ببساطة اللغة، وجمال الصورة، ولكنك لا تنجو أبدا من فخ الرمز فيها.

تقول الشاعرة حنان عبد القادر في مفتتح القصيدة:

وبتحلمي يامَّه بضفايرك

مجدولين فوق الجباه نخلة وضُلّيلة 

وبتحلمي شمس النهار 

تُلْضُم عنينا في ضَيَّها

تروي سنابلنا أمان 

تطرح مواويل الأمل لجل العيون الكحيلة.

فالأم هنا هي الوطن الذي يظلل أبناءه جميعا لافرق بينهم، فتجدل ضفائرها لتصنع منه الظل للجميع، وهو ليس أي ظل، إنما ظل النخيل بمدلولاته البيئية، النخيل الحافظ من قيظ الشمس والمانح العطاء، وكذا تلك الأم لا تتمنى لأبنائها جميعا إلا الخير والنماء وأن يعيشوا في ظلها، ينعمون بالأمان، ويتحلون بالأمل في الغد الأفضل.

وارتباط السنابل بالأمان هنا له دلالته، حيث السنابل مصدر الخير والبركة في تلك البلاد التي تعتمد بشكل رئيس على القمح في غذائها، ولذلك مدلوله الاقتصادي أيضا، فاقتران السنابل بالأمان يحمل معنى الأمان المادي، والاجتماعي، والاقتصادي أيضا، فلا حياة لهؤلاء الأبناء في تلك البلاد بعيدا عن سنابلها.

تم تعرج الشاعرة على قضية اجتماعية سياسية أخرى، ما تكاد تنطفئ جذوتها حتى ينفخ فيها من يريدون إذكاء الفتنة وبث الفرقة في جسد الوطن فتقول: 

وانا جُوَّة حلمك بتولد وجهين 

انت اللي وشك للسما مصلوب

وانا اللي ضي الهلال غُرَّاية في جبيني

قويني قويني

إيدك على زندي

هيلا وح نعدي

قلبك شراعي وقلبي للأمان قارب 

ياريح محوطانا

بتبعتري فينا

وتفرقينا في الفضا مجاريح.

الشاعرة هنا تعرض بالحديث عن مشكلة باتت تهدد المجتمع وهي بث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، والحديث عن المسيحية: “انت اللي وشك للسما مصلوب”، والإسلام “وانا اللي ضي الهلال غراية في جبيني”، ومحاولة الأعداء الضرب بمطرقة الفتنة على هذا المفصل الذي مابرز إلا في الآونة الأخيرة، ورغم أن القصيدة كتبت عام 1993 م كما أرختها حنان عبد القادر في ديوانها، إلا أنها تواكب أحداث اليوم وتنبه لخطورة الانسياق خلف تلك الفتنة المقصودة لتشتيت وحدة الوطن.

وتدعو الشاعرة هنا للعودة للوحدة والتجمع يدا واحدة أمام تلك العواصف، فلا منج منها غير الحب والتوحد فتدعو الآخر قائلة: قويني قويني/ إيدك على زندي/ هيلا وح نعدي/ قلبك شراعي وقلبي للأمان قارب.

فهو الشراع القائد الذي بقيادته ومشورته تعبر السفينة للأمان، وهي قارب الأمان الذي لا يكون للشراع فائدة ولا وجود بدونه، لذا لزاما عليهما أن يتحدا في وجه تلك الريح المحيطة بهما من كل جانب بقصد بث الفرقة ونشر الجراح: ياريح محوطانا/ بتبعتري فينا/ وتفرقينا في الفضا مجاريح.

ثم تبحث الشاعرة عن وسيلة، وأيقونة تجمعهم تحت مظلتها فلا تجد غير الأم – الوطن، فهو الهدف والملاذ والملجأ الأخير تقول:

يامَّايا لِمِّينا 

حلِّي ضفايرك في مهب الريح

نزحف على شعورك.

واستخدام كلمة “شعورك” هنا ماكرة، فهي تحمل معنى الشَّعر، الضفائر التي جمعتهم وأظلتهم في بادئ القصيدة ومنحتهم الأمان، وهي ذاتها التي سوف تنثرها في مهب الريح لتكون حبال نجاة لأبنائها يتعلقون بها زاحفين إلى الوحدة والأمان مرة أخرى.

والشعور بمعنى الإحساس والمشاعر المتأصلة في أرواحهم جميعا، من حب وانتماء لذات الأرض دون غيرها، والتي ستدفعهم حتما للتوحد من أجل الدفاع عنها ونصرتها إذا نادت عليهم وقت المحن، فهي لفظة دالة في مكانها، ومليئة بالاحتمالات وقبول وجهات النظر.

ثم تختم النص بأمنية تتمنى أن تتحقق، وهي صلب ترنيمتها فتقول:

ياقلبنا الواحد 

جمعنا جمعنا 

وف قلبها ازرعنا

نخلة وضليلة.

وكأنه بالوحدة والتجمع حول هدف واحد سيعود الأمان، وينتشر الخير، وتدور دائرة العطاء ففي المبتدى كان الوطن مانح الفيء والظلال، وفي المنتهى يرد الأبناء الخير بخير، والفيء بفيء لكنه الخير المتجدد دوما.

أخيرا، هذه محض نظرة عابرة لتلك القصيدة التي أتمنى أن يتصدى لها الواعون بالشرح والتحليل، كما أتمنى أن تنعم قصائد الديوان، وكذا تجربة تلك الشاعرة بمزيد من التوقف والبحث، فهي جديرة بذلك، وأرى أنها قد ظلمت كثيرا في زمانها، وتحتاج من النقاد نظرة أكثر إنصافا لها ولتجربتها، فهي من الشاعرات المصريات اللاتي لهن صوت مميز على الساحة الشعرية النسائية في الوطن العربي.

رأيان على “البحث عن الأمان ونبذ الفرقة في ترنيمة حنان عبد القادر

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s