يحق له!

يحق له!

هيام علي الجاويش

اللوحة: الفنان السويسري أوتو بيلني

صديقي..

سأحدثك عني، عنها، عنهن، فإن كانت تلك الأشياء لم تحدث مجتمعة فعلى الأقل حدثت واحدة، ولكن في رسالتي هذه سأخص سلمى، سلمى أحبتّه وحلمت به، كانت مقتنعة بأن الحب يصنع المعجزات، أغمضت عينيها عن كل شيء، وأصمت أذنيها عن كل ما قيل، لا شيء مهمّ فهو حلم حياتها، وكلُّ ما يقال هو أمر طبيعي لشاب في مقتبل العمر يزخر نشاطاً وحيوية، المهم في كل هذا هو أنه يحبها، وتعرفه منذ طفولتها.. تحقق الحلم واقترنت به، لكن الحلم في نشوته تشوه بتفاصيل صغيرة، كان لابد أن تظهر طالما سكنها في بيت أهل الزوج، تألمت، فكرت، تساءلت، لماذا يحدث معها كل هذا؟ ولمن تشكو أمرها؟

تحدثت الى جارتها فقالت: هكذا الحياة، وبدون هذه التفاصيل لا طعم لها ولا لون

ولو أن كل امرأة توقفت عندها لما رأيت واحدة في بيت زوجها، وغدا عندما تستقلين في بيتك ستتغير الأمور، فقط احمدي الله واصبري وأحّبي ما يحب.

فكرت، لا بأس إذا كان هذا هو الحل، وعملت بنصيحة جارتها، ثم عادت تفاصيل أخرى جديدة تعكّر صفو حياتها.. لمن تلجأ في هذه الحالة؟ فتشوهات الحلم باتت أكبر.

لجأت الى أمها.. مسدّت شعرها قائلة: يا بْنتي كلُّ البيوت هكذا، وأبوكِ رحمه الله لم يكن بأفضل، فقط احمدي الله واصبري وأكرهي ما يكره.. فكرت، لا بأس أذا كان هذا هو الحل.. وعملت بنصيحة أمها، حتى استقرت معها الحياة واستكانت مع استقرارها في بيت وحدها، لكن لفترة ليست بالطويلة، فقد ظهرت تفاصيل مختلفة في الشكل والطعم، وبات يغضب ويثور لأتفه الأسباب، قائلا: ما الذي ينقصك؟ ها قد أصبحت في بيت وحدك! تساءلت: بيت وحدي؟ وهل هذا ترف لا أستحقه؟ فلمن تشكو في هذه الحالة؟ لا بأس، هناك رأي عام، هناك مجتمع، فلتشكو للمجتمع.

فكان الرد: احمدي الله واشكريه وأصبري، الرجل لا يعيبه شيء، يجب أن تدركي الأشياء دون أن يطلبها، ولا تنامي قبله ولا تستيقظي بعده، وإياك والتذمر والشكوى والتأفف فأنت في نعمة، ثم إياك أن تمننيه مهما قدمت له، ويجب أن تشكريه على أيّ شيء يقدمه حتى ولو كان واجباً، وأعملي بوصية الأعرابية لابنتها وأهم ما فيها: إياك والكدر إذا كان مسروراً والفرح إن كان مكدوراً، فالأولى من التقصير والثانية من التكدير، لا يهم إن كنت مسرورة أو مكدورة.

ثمَّ إياك والعبوس، لا تضحكي، ابتسمي، لا تضجري ولا تملي، لا تمازحيه، لاطفيه، لا تجادليه، فالرجل لا يحب المجادلة، لا تقاطعيه، فتهيني كرامته، وهذه لا يطيقها، لا تنتقديه، فهو لا يخطئ، لا ترفعي صوتك، ليس لأنك تفقدين أنوثتك، فما بتّ أنثى مذ دخلت بيته، أنت من حاجياته، والإناث هنّ فقط من كنّ خارج بيته، ولكنك برفع الصوت تفقدينه أعصابه وصبره.

لا تسألي إلى أين هو ذاهب؟ ومتى سيعود؟ ومع من كان؟ فهذه قلّة ثقة، وقلة الثقة لا يطيقها الرجال، لا تعبري عن رأيك أمام الناس فيقولون إنك تتحكمين به، ولا تعارضيه فتبدين أفهم منه، ولا تكوني أنت والدهر عليه، كوني معه على الدهر، اسمعي جيداً، الرجل إن لم يحتمله أهل بيته من يحتمله إذا؟ فالضغوطات كبيرة، فقط أهدئي.

هدأت واستكانت مجبرة، ثم ظهرت تفاصيل بالغه التعقيد كسرت الحلم، وأصبح يغضب حتى للهفوات التي لا يمكن تفاديها، لمن تشكو في هذه الحالة؟ لم تجد غير الله ملجأ وملاذا، فشكت الى الله، قال: احمدي واشكري وأصبري.

ألاّ تعلمي أن الله مع الحامدين الشاكرين الصابرين، وأن الصحة ابتلاء والمرض ابتلاء، وكذلك الغنى ابتلاء والفقر ابتلاء، وكثرة الأولاد ابتلاء وقلتها ابتلاء،

ومن صبر نصيبه الجنة، ثم إياك والظن فإن الظن إثم، وإياك، إياك ورفع الصوت فإنه نكير.

واستكانت الحياة مع تشظي الحلم، تساءلت: من يُحبُ ما تُحبْ؟ ومن يكره ما تكره؟ ومن يعطيها ولا يمنّها؟ ومن يسكت عن هفواتها؟ وهل يتساوى ابتلاء المرض والعوز مع ابتلاء الصحة والغنى؟ واذا الرجل لم يسعد أهل بيته فمن يسعدهم إذا؟ وأنت يا جارتي و يا أمي ألم تعطيا الرجل بالسكوت؟ وأنت يا مجتمع، ويا إلهي، ألم تعطيا الرجل الحقوق؟ 

تحدثت في سرّها، لا بأس، سأحمد الله واشكره وأصبر، وسأبتعد عن الظن إن كنت سأدخل الجنة، ومؤكد أن جنّة الله معظمها من النساء، لأنهنّ حامداتٌ شاكراتٌ صابرات، وعندما تتزوج ابنتي سأدلها على أقصر طريق الى الجنة، وهو طريق المذلة والخنوع.

لكن الزوج كلما انخفضت له ارتفع وترفع عنها، وكبرت المسافة بينهما، وخاصة مع تحسّن أحواله ووجود المال والسيارة، فنسي نفسه ونسي أيام الجوع ومن شاركه إياها، كًثُرَ تأففه وضجره وعلا صوته، وبات يدخل ويخرج وكأن البيت ليس له، فرفعت الصوت عالياً، فطلقها ثلاثاً!

خرجت بثوب نومها،غاضبة مقسمة أغلظ الأيمان بألاّ تعود أبداً، وبعد أيام ليست بطويلة، وقفت أمام مرآتها تتفحص الدمار الذي لحق بها، نظرت الى نفسها،

بعض الشعيرات البيض وجدت متسعا لها مفسحة المجال لأخريات، والتجاعيد بدأت تخط لِذاتها مسارات اختارتها بدقه مواصلة المسير، وتجذر في فهما لسان أمها وجارتها، فلبست عباءة المجتمع ناهيك عن وعيد الله.. سمعت صوتاً يقول: الآن في بيت أبيك، وغدا يصبح لأخيك، والذي تركته هو بيتك، نهايتك بين هذه الجدران، أمّا زوجك فيتزوج.

حدثت نفسها: ما أرخص الأشياء التي يمكن الاستغناء عنها واستبدالها بأخرى!

إذا ما أرخصني! وكثيرات اللواتي يرضين بزوج كزوجها مع علمهنّ بأنه متزوج وله أولاد، اذا ما ارخصهنّ! ما أرخصنا حين نكون مبدولات وبدائل، وعندما نكون كأشياء تستبدل بأخرى!

علا صوت آخر: هدمت بيتك بيديك وجنيتِ على أطفالك، كان يمكن أن تصبري ولا تفقديه أعصابه.. إياك أن تقتربي من أبغض الحلال.. تهامس الجميع وألّفوا القصص، وعندما فرغوا رقّت قلوبهم لحال الأولاد، وتدخل أولاد الحلال لرأب الصدع، أما هي فكأنها كانت منتظرة كلمه واحدة: كلمة عودي؛ فعادت متقوقعة على ذاتها، معتذرة، معترفة بخطئها.

لم يعد هناك حلم يتكسر ويتشظى، فتكسّرت هي وتشظّت، الرجل له كل شيء ويحق له كل شيء، أمّا هي فلها كل التضحية، تضحيةٌ لا يقاسمها بها أحد، تضحيه كامله غير منقوصة، ألا يكفيها، فلتهنأ.

صديقي، الحياة واسعة، لماذا يستأثر بها الرجال وكأنها ستنضب؟ الحياه ممتعة بالمشاركة، فلم يَحرم الرجل نفسه من هذه المتعة ويظلم الذين أحبوه؟

4 آراء على “يحق له!

  1. نروح نحن وتاتي غيرنا ويحملن نفس الاسئلة التي صارت مكررة والتي لانجد لها اجابات سوى عدد لاحصر له من الحكم المتناقضة والاحاديث المتواترة.. التي تخفي وتعلن عن ثقافة وموروث ظالم بميزان مائل…
    صياغة ادبية امتعتني واوجعتنا…

    إعجاب

  2. الله الله. جميلة جدا. سلسة ومؤلمة. عبرت عن الفكرة ببراعة. الختام ممتاز. الخاسر الأكبر هو الزوج.

    Liked by 1 person

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s