هيام علي الجاويش
اللوحة: الفنان الأكراني مايكل جارماش
صديقي…
عندما نتّزين..
أنتزين لنرى صورتنا بالمرآة أم لنرى صورتنا في أعين الآخرين؟
رنّ هاتفها بينما كانت تضع إلى جانبها الأكوام المكدّسة من علب المكياج والحلي.
فقد كانت تستعد للخروج
أجابت:
نعم حسناً سأحضر، الساعة السادسة والنصف، شكراً.
انهت مكالمتها على عجل وقالت: وأخيراً.
بدأت تخط الأحمر والأسود والأخضر وألوان قوس قزح
ونظرت إلى وجهها في المرآة، وتساءلت..
كيف يمكن لهذه السنتيمترات المربعة أن تحمل كل هذه الألوان؟
ونعتبرها زينة!.
فكيف والحال هذا إذا كنّا ذاهبين لرؤية أشخاص ينظرون للزينة باستخفاف؟
ويعتبرونها تعبيراً عن قلّة الثقة بالنفس.
وعادت إلى يوم اللقاء الأول، والمضحك بالأمر إنها تعتبره لقاء.
عادت بها الذاكرة ثلاث سنوات للخلف، حين تقدمت لامتحان المادة الوحيدة والتي علقت معها للدورة التكميلية..
مادة وحيدة وتتخرج.
دخلت إلى الامتحان وخرجت بنصف الوقت، وعليها أن تنتظر شخصاً ما علقت معه مادة،
حيث سيقدم مادته ويأتي إليها بفارق زمني أقله ثلاث ساعات.
كيف ستُمضي هذا الوقت؟
دخلت إلى معرض الجامعة لعلها تجد ما يملئ هذه الساعات الخاوية، بعد امتحانها المرهق.
تناولت مجموعة قصصية بجزأين ونظرت إلى الغلاف وقرأت..
ثم سألت الشخص الذي كان إلى جوارها..
من هو هذا الكاتب الذي يمكن أن يكتب عنه كل هذا الكلام؟
هذا الاسم غير معروف بعالم الأدب، وفتحت أحد الكتابين وأردفت وهي تنظر إليه..
وقصص قصيرة..؟!
أني أمقت هذا النوع من الأدب.
لكنه هز برأسه وكتفيه قائلاً: هل قرأت..؟
ينبغي ألاّ تحكمي على كتاب قبل قراءته، وتركها متجولاً بالمعرض.
اشترت الكتابين ليس لأنها اقتنعت بما قاله ذلك الشخص
لكن.. لأنها لا تملك ثمن كتاب قيّم.
وسخرت من نفسها لآن الكتاب الرديء لا يقرأ فكيف يشرى؟! حتى ولو بثمن بخس.
أخذت زاوية وشرعت تقرأ، الأولى، الثانية، الثالثة، وشعرت بالبرد.
يا الهي..
هذه ليست قصص إنها لوحات جدارية تختزل ماضياً وحاضراً، وكأن كل لوحة تلخصّ حياة كاملة.
إنها غوص في سراديب النفس على شكل لوحات..
أنها أساطير..
وقلّبت الكتاب وأعادت قراءة ما كتب على الغلاف.
وقالت في نفسها: لم يعطه حقه، انه حقاً يكتب بشكل رائع.
وعادت إلى القراءة
انتبهت إلى صوت زميلتها تحثها على المغادرة
وبعد أن أطمئنت على امتحانها..
قالت: كنت أقرأ ومدّت الكتاب، وأكملت..
هل قرأتِ لهذا الكاتب من قبل؟
فأجابتها..
واعرفه معرفةٌ شخصية إنه هنا، لقد حضر ليرى انطباع القرّاء بشكل مباشر على مجموعته،
فردت بلهفة ليتني أراه لأنقل له إعجابي و…
لكن زميلتها قاطعتها..
انظري إنه هناك ذاك الذي يركب سيارة الأجرة.
فقالت: نعم إنه هو لكن لم يقل إنه هو، على الاقل كنت أغلقت فمي.
نظرت زميلتها باستغراب، وقالت: يبدو أنك كعادتك ابديتِ رأيك، ألم أقل لك إنك متسرعة، حسناً عندما تحين الفرصة سأدعوكِ لمقابلته.
وعلى مدى ثلاث سنوات ونصف السنة كانت تتابع كل ما يكتبْ وكل ما يُقال عنه
وكانت تتخيل لقاءات وهمية وتحدّثه..
ويطول الكلام وتبدّل اللوحة، وتناقش تلك وتعطي رأيها بأخرى، وتبدي إعجابها بمجمل ما كتب.
وكانت تتخيل ..
إما ان يقترب منها ويجالسها..
أو يدعوها للجلوس بالقرب منه.
وتتخيل..
أن يطلب رقم جوالها، وأن يدعوها للقاء، وتتخيل…
اما الآن وقد أصبح اللقاء أمراً واقعاً فإنها لا تريد أن تفكر بشيء، فقط عليها الذهاب في الوقت المحدد ..
إنه حفل توقيع كتابين معاً.
لبست أجمل لوحاته ووضعت في معصميها قصائد موّشاة أطرافها بالقوافي..
وتزينت بأقراط الحروف ورشّت عطر الكلام.
لكنها لم تضع الكحل في عينيها، لماذا؟
لأنها تريد أن تكّحل عينيها برؤياه.
***
دخلت القاعة الضخمة ..
أنوار ساطعة..
ضجيج..
تصوير..
معجبات يتهافتن بالعشرات.
هذه عارية الساقين والكتفين..
وتلك عارية الظهر..
أما هذه فمكشوفة البطن..
وأخريات..؟
نظرت إلى أسفل ..
إلى حذاءها إنه خلاف لأحذيتهن بدون كعب
وتحسست وجهها إنه خلاف لأوجههن بدون أصباغ
ثم تحسست بنطال الجينز الذي ترتديه وجاكيتها الجلد
إذاً..
لماذا تشعر بأنها عارية وسط هذه الأكوام من اللحم.
وفكّرت..
كيف تحول هذا الكاتب في هذه السنوات القليلة
بينما هي ما زالت واقفة في المعرض؟
ونظرت إلى الكتيب الذي ناولها إياه شخص كان واقفاً
بالقرب من الباب أثناء دخولها.
وقرأت كتابين مترجمين..
وفكّرت..
إذاً لم يعد يكتب..
إلى ماذا تحتاج الترجمة؟
إنها تحتاج لمعرفة لغة، لا تحتاج إلى معرفة أدب..
وأيضاً تدر أرباحاً..
إذاً السيارة الفارهة التي رأتها عند المدخل هي سيارته
وماذا يبقى للأديب إذا أصبحت الكتابة مهنة؟
نزعت عنها اللوحة
ونزعت أقراطها
وسقطت قوافي القصائد من تلقاء ذاتها.
وعادت بدون كحل..
وهي تقول ليتني لم أره.
لوحة جميلة.. وخواطر سلسلة .. الختام قيمي.. أحبت فيه صفات جميلة وعندما تخلى عن تلك الصفات زهدت فيه.. جميل.
إعجابLiked by 1 person
أسعدني رأيك أستاذ أيمن
إعجابإعجاب
شكرا لك ..
الشهرة يمكن أن تأخذ بعض الناس إلى مواقع هم لم يتوقعوها عن أنفسهم كاشفة زيف معظمهم وربما لم تكن كلماتهم لم تكن سوى وسيلة لركوب أية موجة.
والبعض الآخر يبقى مكانه وكما هو وكأنه مستحاثة قد جاوزها الزمن فقط.
أسعدني رأيك عزيزتي
إعجابإعجاب
جميل ، ان نضع نخن لمستنا الجمالية ونزين أشخاصا بعيوننا.. ونسقط عليهم أحلامنا وقيمنا.. لنكتحل بكمالهم ، لنسقط في التوقعات العظيمة والتي تخيب حين يتخلون عن التبرج لنكتشف كم كنا كرماء حين تعلقنا بهم وكانوا هم صغارا لنعتمد عليهم..
امتعتني…
إعجابLiked by 1 person