سارقوا اللقمة

سارقوا اللقمة

دعاء صابر

اللوحة: الإسباني ارتولومي استيبان موريللو

– جئت على الفور كما طلبت مني.

– جيد، أغلق الباب خلفك وتعال.

فعل كما طلب منه وجلس على كرسي أمامه

– إذن، ما الخطب؟ 

– أنا أُسرق يا علاء.

– أنت سُرقت؟

– لا بل أُسرق، أُسرق كل يوم تقريبا.

– وكيف ذلك؟ ومن الذي يسرقك كل يوم ولا تبلغ عنه؟ 

سكت قليلا وعيناه تجولان بتوتر في الغرفة 

– أنظر…أنا لا أستطيع الإبلاغ عنهم.

– هم؟ على كل حال إذا كنت تخاف من كثرتهم وإمكانية هروب أحدهم وانتقامه منك، إذا أبلغت الشرطة فأنا أطمئنك تماما أنك لن….

قاطعه بنبرة جافة

– إنهم أطفال يا علاء، أطفال مشردون. 

– وليكن؟!

بدأ يتكلم بعصبية وهو يفرك يديه ويجول في الغرفة..

– يوجد أطفال مشردون على باب الشارع الذي أسكن فيه، كل يوم وأنا عائد يستوقفني أحدهم ويطلب حسنة فأعطيه ما أعطيه، إلى أن جاء يوم لم يكن معي فيه نقود أستطيع إعطاءهم إياها، ولكني كنت أحمل كيسا به بعض فاكهة؛ عندها أخبرت الولد أنني ليس معي «فكة» وأنني بدلا منها سأعطيه ثمرة فاكهة، وقد حلت على رأسي الكارثة من يومها! أصبحت ما إن أصل إلى الشارع وأنا أحمل شيئا يؤكل التفوا جميعهم حولي فإذا لم أعطِ كل واحد فيهم نقودا أجده يطلب شيئا مما أحمل أو قطعة مما آكل أو أشرب في يدي.. سوف أُجنُّ يا علاء! لم أعد أستطيع العودة بكيس فاكهة إلى البيت! إن زوجتي تتساءل ولها لسان طويل، إذا علمت أن الأطفال على باب الشارع يسرقون ما معي ستفضحني! 

– إنهم يستغلون حياءك بلا رحمة، وأنت في المقابل تعطيهم خجلا من أعينهم الوقحة ليس إلا.

– لا أعلم يا علاء، كل ما أشعر به أن هناك من يسرقني، وليس لديّ فكرة عما أفعل.

– إن الأمر في غاية البساطة، لا تعطهم شيئا أبدا، لا من جيبك ولا مما تحمل.

– صعب جدا، هم ملحون إلى أقصى درجة، بالإضافة إلى صعوبة أن تأكل شيئا أراد أحدهم منه قطعة وأنت رفضت، لن تستطيع ابتلاع ذلك الطعام.

– لا، بل ستبتلعه وتتلذذ به أيضا، إنهم مجموعة نصابين صغار وهم ليسوا بحاجة للطعام أو ما شابه، لا تستمع لإلحاحهم، ولكي أضمن أنك ستستطيع فعل ذلك سآتي معك.

ذهب معه وابتاع ما لذ وطاب من كل صنف، حملا الأكياس ودخلا الشارع معا..

التف الصبية حولهم يتكالبون عليهم كالكلاب الضالة في مشهد ملحمي وسط العديد من «والنبي يا بيه» و«والله جعان» 

تبع الصبية الصاحبان حتى نهاية الشارع في إلحاحٍ سمج إلى أن بدأوا يتفرقوا أخيرا شيئا فشيئا، لم يكد علاء يضحك ضحكة الانتصار حتى نظر أحد الصبية إليهم بشرٍّ وصاح فجأة بصوت عالٍ: بالسمّ الهاري! يا رب ما توعوا تاكلوه! 

توقفت الضحكة في حلق صاحبنا ولم تكتمل، وتوقف الصاحبان وقد اتسعت أعينهما وهما ينظران لبعضهما.

تلك الليلة عاد للبيت خاوي اليدين بعدما تجرد من كل ما معه، واعترف لزوجته بكل شيء، فكان نواحها طوال الليل من نصيب الجيران، أما علاء، فعاد للمنزل حاملا الأكياس معتقدا أنه تغلب عليهم، في نهاية الأمر عافت نفسه وضع الطعام في فمه وبات ليلة مؤرقة حتى قام الفجر وألقى بالطعام إلى الكلاب.

رأي واحد على “سارقوا اللقمة

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s