هيام علي الجاويش
اللوحة: الفنانة السعودية فاطمة حسن المطر
صديقي …
لابد أنك تسأل عنها، وتسألني،مَنْ هي؟
هي، هي!. أيضا أنا لا أعرفها وليس مهما أن أعرفها ، ولكن المهم أن أعرف أنها هي.
لتكن أيّا من كانت.. فرح أم ترح، سمراء، شقراء، بيضاء، جميلة، قبيحة، طويلة، قصيرة، كله لا يهم، لتكن سميرة،أميرة،هناء،وفاء، رثاء، شفاء، بيداء، أيضاً لا يهم، لتكن مثقّفة، متعلمة، جاهلة، عاطلة،عاملة، ذكية غبية، أيضاً لا يهم!
وتستيقظ هي مذعورةٌ، مرتعدةٌ على صوت تسمعه يناديها؛ فتسند وسادتها على الجدار، وتسند رأسها على الوسادة, وتمدّ يدها لتتحسس بطنها المحتضّن رحماً خاوياً، وتغمض عينيها وتشرع بالدعاء، وتطمئن نفسها ويشرق الأمل.
أحاديث من هنا وهناك, فهذه بعد سبع أعوام «قال لها الكريم خود» وملأت البيت, وكرهت الأولاد، أما تلك فكانت بالأساس متقدمة بالعمر وتأخرت بالإنجاب وأيضا أعطاها الله حتى أرضاها.
وتفكّر في نفسها لما أختصها الله بالحرمان وتقول: لماذا أنا يا الله؟ تعطي الجميع إلا أنا، إلا أنا! وتتألم، وتلهبها كلماتهن ونظراتهن: «شدي عزمك وهاتيلنا ولد، شو ما شفتي دكتور، والله مافي أحلى من الولد جيبيلك شي ولد، مين السبب أنتِ والا زوجك؟ وتسمع كلمات من هنا وهناك بأن الله لم يرزقها ولداً، عاقر، مسكينة حرمها الله.
وتسأل لماذا يا الله؟ ثم تهدأ وتستكين من جديد الى أفكار وأفكار، بأنّ الله أمتحن نبيه زكريا, ثم رزقه وهو شيخ وزوجته عاقر، وكذلك رزق السيدة العذراء بنبيّ الله.
تتحسس بطنها من جديد متّمنية تنتظر فرج الله، فلعل الله يجلو همّها، ويأتيها الفرج، تحمل وتلد مرّة بولد وأخرى بولد وبنت، ترضع وتطعم وتعلم المشي وتعاقب, وتشتري الثياب وتبكي على المرض وتعاند البقع الصعبة في الثياب، وتثور ثائرتها لأنه تأخر في الحارة حتى غياب الشمس.
تعلمه الأبجدية ويأخذ الشهادات, تزوجّه ويأتيه أولاد، وعندما يناديها حفيدها: جدتي، ووراءها خوفاً من سطوة ابيه يختبئ.. تتذكر، عندها فقط تتذكر بأنها علّمت ولدها كل شيء إلاّ كلمة أمي، لم تسمع لفظة أمي.
ترفع رأسها عن وسادتها وتسويها من جديد كي تنام عليها، كانت تعلم أن النساء يمضين خمسة وعشرين عاما أو ثلاثين عاما لينجزن ما تنجزه كلُّ ليلة، فكل ليلة، تحمل ويمزّق رحمها المخاض، كل ليلة تعلّم وتكّبر وتزوّج، واخيراً تدفن وليدها لتستطيع ان تنشئه مرةٌ جديدةٌ في الوهاد.
ذات صباح، في صباح ليلةٍ لمْ يأتها المخاض، استيقظت ككل الصباحات، لا أمل ولا احباط ، إنه روتين الحياة.
بعد التمهّل والإفطار والاستبصار، قامت الى الحاسوب وكتبت على برنامجه كلمة واحدة فقط، ونسختها على ماعون ورق وألصقت الأوراق على الجدران وفرشتها على الأرض على شكل دائرة ووقفت بالمنتصف، دارت، ودارت، وشرعت تقرأ جميع ما كتبت، عاقر، عاقر، عاقر، عاقر، عاقر….
تحسست بطنها من جديد فكم أرهقته من كثرة الحمل والولادات, ونظرت الى حضنها وبيتها الخاوي.. صرخت:
عاقر نعم أنا عاقر ولا أفاخر
إنما هو وجه للحقيقة ظاهر
نعم عاقر أنا عاقر ولكنني
أقسم بأنني بأمومتي لم أتاجر
أقسم بأني صبرت وبهمّي لم أجاهر
أقسم بأنني على جراحي لم أكابر
وأقسم بانني بدين ربي لم أقامر
خذوا همسي خذوا صوتي
خذوا صمتي خذوا سمعي
خذوا عمري خذوا ما شئتم
فقط أمنحوني لفظة أمي
أو أحذفوا من القاموس كلمة عاقر.
أكبر ظلم للمرأة تحميلها وتحملها هذا القدر… هذا الظلم اجتماعي وليس ديني.. والمجتمع بذكوريته ظالم. أحسنت
إعجابLiked by 1 person