ذئب تأبط شراً

ذئب تأبط شراً

سعد عبد الرحمن

اللوحة: بابلو بيكاسو

النص الذي يتحدث فيه تأبط شرا عن الذئب جزء من قصيدة طويلة نسبيا، ويتكون من سبعة أبيات، ثلاثة منها نجدها في معلقة امرئ القيس (الأول والثالث والرابع) مع استبدال (شأننا) بـ (ثابتا) في البيت الثالث ولكن الأبيات كما سبق أن ذكرنا أليق وأنسب بنص شاعرنا الصعلوك منها بنص الملك الضليل:

وواد كجوف العــــــير قفر قطعته 

به الذئب يعــــــوي كالخليــع المعيل

تعدى بزيــــــزاة تعج مـــــن القوا 

ومن يك يبغي طرقة الليـــــل يرمل

فقلت له لمــــــا عـــــــوى إن ثابتا 

قليــــــل الغنى إن كنـت لمـــــا تمول

كلانا إذا مـــــا نال شيــــــــئا أفاته 

ومن يحترث حرثي وحرثـك يهزل

كلانا طوى كشحا عن الحي بعدما 

دخلنا عـــــلى كلابهم كــــــــل مدخل

طرحت له نعلا مـــــن السبت طلة 

خلاف ندا من آخر الليــــــل مخضل

فولى بها جــــــزلان ينفـض رأسه 

كصاحب غـــــــنم ظافـــــر بالتحول

في الأبيات كما نرى يحكي تأبط شرا أنه وهو يجتاز الصحراء رأى الذئب الذي كان يعوي متألما كما يعوي الصعلوك الذي خلعته قبيلته وتبرأت منه ومن أفعاله ولكنه صاحب عيال ليس لهم من يعولهم سواه، الوقت كان ليلا ولا يفعل ذلك إلا المضطر لنفاد زاده وحاجته الماسة إلى الطعام.

وتتداخل صورة الذئب الجائع بصورة تأبط شرا فكلاهما يعاني من قلة الزاد وكلاهما منفرد عن أهله و ذويه، ومن خلال ظاهرة شائعة في الأدب بشكل عام و الشعر على وجه الخصوص هي (عقلنة ما لا يعقل) أي التعامل أحيانا مع الحيوان والطير والجماد على أنها تعقل و هي شبيهة بظاهرة (الاستحياء) عند الأطفال أي خلع صفات الكائن الحي على الجمادات و يسميها بعضهم بظاهرة “التشخيص” يحاول تأبط شرا أن يقنع الذئب بعدم جدوى متابعته و مراقبته ، فيكلمه كشخص عاقل قائلا له ليس لدي أيها الذئب ما تبتغيه من الطعام فأنا رزقي قليل محدود ولا أبقي منه شيئا مثلك بالضبط و كلانا لهذا السبب نحيل هزيل ، و كلانا أيها الذئب لم يصب شيئا من أهل الحي الذي أغرنا عليه و راوغنا كلابهم كل المراوغة .

ويبدو أن الذئب من شدة الجوع استمر في متابعة شاعرنا ومراقبته لعله يجد منه غرة فيفتك به أو يخطف ما يظن أنه معه من طعام، لذلك لجأ تأبط شرا إلى الحيلة ليدفع عنه خطر هذا الحيوان المفترس فألقي إليه بنعله المبللة بندى آخر الليل والذئب من شدة جوعه عدا بها بعيدا وهو فرح بالغنيمة المزيفة، والبيت الأخير من نص تأبط شرا نجده في نهاية نص المرقش الأكبر القادم: الشطر الأول بألفاظه دون أي اختلاف إلا في أن هذا يقول (آض) وذاك يقول (آب) وكلاهما بمعنى واحد، والشطر الثاني بمعناه دون ألفاظه.

 تأبط شرا يقول: (كصاحب غنم ظافر بالتحول) 

والمرقش الأكبر: (كما أب بالنهب الكمي المخال)

تأبط شرا (توفي عام 95 ق.ھ) هو لقب شاعر من أشهر شعراء الصعاليك وعدائيهم في العصر الجاهلي، اسمه الصريح ثابت بن جابر من قبيلة فهم، وثمة عدة روايات تفسر سبب تلقيبه بتأبط شرا أشهرها أنه خرج يوما وتحت إبطه سيف ولما جاء أحدهم يسأل عنه أجابته أمه: تأبط شرا وخرج .


الذئب وتجلياته في الشعر العربي القديم

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.