ذئب الشنفرى

ذئب الشنفرى

سعد عبد الرحمن

اللوحة: الفنان الأيرلندي مارك ادلينجتون

للشنفرى نص يتحدث فيه عن الذئب، وهذا النص جزء من قصيدته الشهيرة المسماة بـ “لامية العرب” وهي قصيدة طويلة وتعد من عيون الشعر العربي.

يرسم الشنفرى في الأبيات لوحة رائعة يتلبس فيها حالة الذئب الجائع الذي ينتقل من مكان إلى آخر في الصحراء بحثا عما يسد به رمقه من الطعام، يعدو الذئب الذي أنهكه الجوع مع الريح في شعاب الجبل مضطربا، وحين لا يجد ما كان يرجوه من الطعام يعوى فتجاوبه ذئاب تعاني وتشكو مثله ألم الجوع وكأن الشنفرى يحسد الذئب على أن له من يشاركونه معاناته، ويصف تلك الذئاب حين جاءت بأنها نحيلة هزيلة من قلة الزاد تتحرك في اضطراب وكأنها “قداح” غير مستقرة في يدي مقامر يستقسم بها؛ أو كأنها زمر النحل الهائجة أثارها بعيدانه النحال، ويستطرد الشاعر في وصف تلك الذئاب الجائعة فيتحدث عن أشداقها التي تشبه شقوق العصي اليابسة في تكشيرها وقبح منظرها، و تعاوى ذئب الشنفرى ومن جاءه من القطيع في الأرض الفسيحة فكان المنظر مهيبا بدا مثل مأتم تتناوح فيه نساء ثكلى، ثم لما لم يجد ذئب الشنفرى جدوى من العواء اضطر إلى السكوت واقتدت به سائر الذئاب، وأخيرا ولى قطيع الذئاب من حيث جاء و راح يواسي بعضها بعضا و يؤازره على كتمان ما به من ألم الجوع و يشجعه على الاعتصام بالصبر الجميل ، و لنص الشنفرى أبعاد نفسية رمزية تتعلق بمشكلته كصعلوك دفعه الفقر و الجوع و قسوة قلوب الأهل و الأقارب إلى أن يكون ذئبا أو مثل الذئب يغير على الغافلين و المنفردين من الناس ليحصل منهم على ما يهدئ به سعار جوعه ، و لو أن أهله أولوه قليلا من اهتمامهم لما استبدل بصحبتهم صحبة الوحوش المفترسة ، لقد ضاق الشنفرى ذرعا بقومه لأنهم قساة جاحدون لم يقيموا وزنا لأواصر القربى ووشائج النسب و اضطرته معاملتهم الجافية له إلى حياة الصعلكة ، لذلك فهو يرى أن الوحوش المفترسة أقرب إليه و أرحم به منهم، ويفسر ذلك في البيت التالي حيث يقول:

ولي دونكم أهلـون سيد عملس

وأرقط زهلـول وعرفاء جيأل

هم الأهل لا مستودع السر ذائع

لديهم ولا الجاني بما جر يخذل

وضمير الجمع” هم ” في بداية البيت الثاني يعود إلى (السيد العملس أي الذئب وأرقط زهلول أي النمر وعرفاء جيأل أي الضبع) أهل الشاعر الجدد الذين استبدلهم بأهله القساة الجاحدين، وفيما يلي الأبيات التي رسم فيها الشنفرى لوحته الرائعة للذئب شبيهه:

وأغدو على القــــــوت الزهيد كما غدا

أزل تهـــــــــــاداه التنائــــــف أطحل

غدا طاويـــــا يعارض الريـــــــح هافيا

يخـــــوت بأذناب الشعـــــاب ويعسل

فلما لواه القــــوت مـــــن حيــــــث أمه

دعا فأجابتــــــــــــه نظائـــــــــر نحل

مهلهلة شيــــــــــب الوجـــــــــوه كأنها

قـــــــــــــداح بكفي ياســـــــــر تتقلقل

مهرتة فـــــــــوه كأن شــــــــــــــدوقها

شقـــــــوق العصي كالحــــات وبسل

فضج وضجــــــت بالبــــــــراح كأنها

وإياه نـــــــوح فـــــــوق عليـــاء ثكل

وأغضى فأغضت واتسى واتست به

مراميـــــل عـــزاها وعــــزته مرمل

شكا وشكت ثم ارعوى بعد وارعوت

وللصبـــــر إن لم ينفع الشكـــو أجمل

وفاء وفــــــــــاءت بادرات وكــــلها

على نكـــــظ ممــــــا يكاتـــــــم مجمل


الشنفرى (توفي عام 100 ق.ھ) هو اللقب الذي عرف به الشاعر الجاهلي ثابت بن أوس الأزدي ، من فتاك العرب و أشهر صعاليكهم و عدائيهم ، يعد من الخلعاء و هم أولئك الشباب الذين خلعتهم عشائرهم و تبرأت منهم لخروجهم على أعراف القبيلة و عاداتها.


الذئب وتجلياته في الشعر العربي القديم

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.