رأفت عبد العال
اللوحة: الفنانة المغربية شامة الركراكي المؤذن
لاحظها في المرآة، شعيرات بيضاء صغيرة نبتت في منتصف رأسه، لم تكن كثيرة لكنها واضحة، أمسك إحداها بين يديه ونظر إليها في فتور، حين أحس وقع أقدام زوجته اضطرب وخبأها سريعاً في معطفه الجلدي الكبير .
خرج من منزله شارد الذهن، حين واجه الشارع، تذكر أنه لم يتناول إفطاره ولم يداعب زوجته كعادته كل صباح، خيم الحزن على ملامحه الناعسة وشعر بانقباض شديد .
نظر إلى الساعة بلا اكتراث، وقرر عدم الذهاب إلي العمل، أخذ يشق الشارع المفروش أمامه بالشبورة حتى وصل الميدان .
جلس على أحد المقاهي الصغيرة المحشورة وسط محلات الملابس الكبيرة، طلب من القهوجي شاياً، ثم راح يفكر في مأساته النائمة في جيب معطفه.
ظهور الشعر الأبيض فى رأيه نذير شؤم، فما هو إلا بوابه سيلج من ورائها كل ما يكدر النفس .. المرض، العجز، فقدان الأمل، وربما عدم الرغبه في الحياة .
قاطعه أحد الجالسين بجواره وطلب منه أن ينظرإلى الناس وهم يظهرون فجأة من قلب الشبورة ثم يختفون سريعاً.
اندهش حقا لكثرة الشبورة في الميدان، حتي أن خيالات المارة بالكاد تظهر، ورغم حاجته الشديدة إلى الاختفاء بينهم إلا إنه لم ينهض، وظل على شروده يفكر بلا هوادة .
تلك الشعيرات المتوحشة ستزحف بلا رحمة لتقضي على البقية الباقية من رأسه، وربما يتشوه منظره الجميل، ويصبح غير كفء لزوجته .
تلك الصغيرة التي يطمع فيها الكثير من الذئاب، وتحيطها آلاف من العيون النهمة، التي يستكثرونها عليه.
ومن يدري ربما تشعر هي أيضاً بالحرمان فتثور، وتقتلع كل شعارات الزيف التي ترتديها النساء وهن في كنف الرجال الأقوياء .
داعبته بعض الخيالات، منذ أيام لاحظ أن البواب يصعد إلى الدور الذي به شقته كثيراً ولأسباب تافهة، وابن الجيران يرابط بصورة فجة أمام شباك شرفته، وكأنه يراقب شيئاً ما، كما أن شباب الشارع لا يحلو لهم الوقوف إلا أسفل عمارته .
داهمته الأفكار بضراوة، أراد الهروب منها بالصراخ، أيكون ما يفكر به صحيحاً، زوجته تخونه.
لحظات ثم تمتم بصوت خفيض – ولما لا- ربما لاحظت الشعر الأبيض في رأسه منذ فتره طويلة فبدأت في البحث عن بديل .
تنتظر حتي يذهب إلى عمله وتأتي بعشاقها واحداً تلو الآخر .
ترتدي لهم الملابس الحريرية الجديدة التي اشتراها لها مؤخراً، ترقص على أنغام الموسيقي الغربية التي طالما منعها من الاستماع إليها .
ومن يدري ربما تبصق فوق صورته كلما غدت في أحضان حبيب جديد .
انتبه للقهوجي مفزوعاً، كان يضع الشاي أمامه بكدرٍ شديد ويرمقه بنظرات قاسية، وكأنه يشعر بما يدور في قلبه .
ارتشف رشفة كبيرة من كوب الشاي غير عابئٍ بسخونته، ثم خُيل إليه أن امرأة تشبه زوجته تقف خارج المقهى مع أحد الرجال، يختفيان بمجرد أن يلمحانه بالداخل .
شعر بانقباض شديد يضغط على كل جوارحه، ورغم ذلك لم ينهض ليتأكد وتابع الناس وهم يظهرون ويختفون من قلب الشبورة وكأنهم عرائس خشبية صغيرة ملونة، تتحرك بلا وعي على مسرح مكشوف .
حاول الابتسام لكن عينيه رغماً عنه أفلتت إحدى الدمعات، فداراها سريعاً ثم وضع يده فوق جيبه وتنهد بأسى.