مصطفى البلكي
اللوحة: الفنانة المصرية ولاء علي شعبان خيرالله
خطوات بطيئة، وعينان بالكاد تريان الأشياء هكذا رأي وافى صديقه، أخذه في حضنه، وجده كعود البوص الناشف، يحضن جلبابه، قتلته الحسرة، تركه، فأرسل نظرة إلى باب بيته، وجده مغلقا، وقد تراكمت أمام بابه نفايات البيوت، قتله السؤال..
ماذا حدث؟
البقاء لله.
جرى إلي البيت، فتح الباب، ودخل المندرة المغلقة علي رائحة ابنه، دار فيها عدة مرات، عينه تبحث عن شىء يتعلق به، وجد صندوقه، خر بجواره منهارا كرجل عاوده شعور هزيمة ما زالت حاضرة، بطعم الرمال في فمه، قوى شعوره، فحاول مص ريقه، فلما وجده جافا، كبش كبشة من تراب المندرة، نثره، فحلق كدوامات، وفي صورة كاشفة، سقط مرة واحدة، حط علي رأسه وسترته، أراح رأسه علي الصندوق، أخذه الفكر، فتته إلي قطع صغيرة، بمرور الوقت شعر بمعاول كثيرة، تسقط علي جسده، لتتجاوب الخبطات مع أزيز أصوات لا تريد مغادرته، حمل جلبابه الملوث بدمه وخرج.
تحت شجرة سنط جلس، نظر إلى الشمس، وجدها حوله في كل مكان، لم يتعجب، لأنه يعرف أن السنط لا يعطي الظل، ضحك وقال:
– شجر ملهوش ضل، كراجل بلا ولد.
ضحك، واستمر يضحك حتى خر الماء من عينيه ونام، فلما استيقظ، وجد كلب السنط، يرعي على جسده، ضحك ثانية، وهتف:
ـ كلب السنط مامنوش أذى.
وضع يده في جيب جلباب ولده الملوث بدمه، وجده خاويا إلا من جزء من لافتة مكتوب عليها كلمة حرية، تعكر وجهه، وقام يردد:
ـ في الطرقات نصيبك.
عبر بيته، بدون أن يعيره أى نظرة، حاول صديقه الإمساك به، فلم يستطع.
عند الغروب جاء من يطلبه، رافقه، وبينما يقطعان المدق حدثه الغريب عن صديقه وما فعل في مطعم الفلافل، انهار فور رؤيته لوجه تسيجه إشراقة ورأسه معمم بجلباب ولده، حوافه تتماس مع وجنتين ناتئتين تقبعان تحت عينين سوداوين مكحلتين بالفرح، وحوله الناس ترقص علي صوت، يعلن التنحي.
حينما وصل، رأى صديقه ، وصرخ:
ـ مش معقول!
ـ في هذا الزمان كل شىء جائز.
شده من تحت إبطيه، فاستجاب، وقام معه.
شهور طويلة، بعد عودته، حبس نفسه في البيت، ظل بجواره، لا يغادره إلا إذا نام، وأوقات كان ينام بجواره، لا توقظه إلا لسعة البرد، فينظر حوله، فلا يجده، فى أول مرة حس به، راقبه، وجده يجلس ساهما ينظر إلى شىء غير مرئى، السعادة تظهر على وجهه، وفجأة انتفض ونظر، ثم مضى، تركه حتى اختفي، ثم مشى على أطراف أصابعه، وجده منكفئا على الأرض، جسده يرتعش، وشهقاته تبدو خافته، وبحر من دموع يسيل على خديه، تعمد وهو يتحرك ألا يصدر عنه أى صوت، وحينما طال وقوفه، لم يلتفت إليه، فأيقن أنه كان لا يشعر به.
مع تكرار الفعل، تعود، كان لا يتبعه، يكفيه رؤية اتجاه خطواته إلى جوف البيت، فيراقبه وهو يحضن جلباب ولده الملوث بدمه، فيطمئن، وينام.