ملاك صغير جداً

ملاك صغير جداً

أحمد خالد توفيق

اللوحة: الفنان المصري شوقي زغلول

أحب الأطفال جدا وأراهم رحيق الحياة وعبقها، لكن هذا وهم صغار جدا أقرب لقطط صغيرة هشة ندية لعوب، فإذا تحولوا إلى تلك الكائنات المرعبة ذات الأسنان الأمامية الناقصة والميركيروكروم على الركب، فإنني أكرههم كالطاعون.. 

هذه الكائنات المرعبة تمزق كتبك وتبعثر أوراقك وتخدش سيارتك بالمسامير وتقذف الطوب على رأسك، فإذا حاولت الانتقام قال المجتمع: “إياك أن تلمس هؤلاء الملائكة الصغار أيها السادي المنحرف! “. 

عندما تزوج (عصام) واختلى بعروسه (لمياء) في عش الزوجية لم يكن يعلم بهذا. كان قلبه يخفق كالطبل المجنون عندما قرع باب البيت فاتجه ليفتحه، الواقف على الباب كان صبيا في السابعة ينسكب شعره الأسود الفاحم على نصف وجهه، وفي عينيه نظرة شقية لطيفة. 

-أنا (ميدو).. ابن الجيران..” 

معلومات جميلة جدا ولكنها كافية، هكذا أوشك عصام علـى غلق الباب، لولا أن (لمياء) هرعت ترحب بالطفل الجميل عالمة أن هذا من تقاليد الأنوثة. أدخلته وقدمت له بعض الحلوى وراحت تثرثر معه وتقبله، ثم فتحت جهاز التلفزيون ليشاهد (سبيس تونز) معها، ظل عصام يروح ويجيء في الشقة منتظرا أن ينتهي كل هذا الهراء.. لكن ميدو الملاك الـصغير جائع.. قامت لتـسخن لـه بعـض الطعام فأكل وشبع، ثم استلقى على الأريكة وغاب في نعاس عميق. 

أوشك عصام على حمله لرميه خارج الشقة، لكنها صاحت في جزع: 

  • سوف توقظه! ! 

وحملت الشيطان الـصغير إلى فراش الزوجية ونزعت حذائيه ثم غطته بشرشف خفيف. وتركته لينام براحته.. حاول عصام إقناعها أكثر من مرة بأن أسرة الـصبي حتما – قلقـة عليه، لكنها أخرسته بنظرة حازمة تقول بوضوح: “يبدو أنك لست الرجل الذي ظننته.. الرجل الذي يعامل هذا الملاك الـصغير بقسوة لا يؤتمن على زوجة رقيقة مثلي”. 

ثلاث ساعات والوغد الصغير نائم، مما يدل على أنه بلا أهل، أو أن أهله سعداء للتخلص منه، في النهاية استيقظ من النوم فجلس في الصالة يشاهد (سبيس تونز) بينما هرعت (لمياء) تعد له بعض عصير الفاكهة، في النهاية وقد انتهى عصام تماما وصار يفتح عينيه بمعجزة، أعلن ميدو أنه سيعود حتى لا تقلق عليه ماما.. ووعدهما بأن يزورهما كثيرا جدا.. بدأ الأمر يدخل دائرة الخطر عندما فـتح عصام الباب في السابعة من صباح اليوم التالي، وهو منكوش الشعر حافي القدمين، ليجد ميدو يسأل عن طنط (لمياء)، وسرعان ما كان يقتحم 

الشقة ويهرع إلى غرفة النوم ليوقظ العروس النائمة.. لقد صار المشي في الشقة حقا مكتسبا له لأنه ملاك صغير كما تعلم. 

في موعد الغداء أعدت لمياء بعض دبابيس الـدجاج المقلية.. هنا دق جرس الباب ودخل ميدو وفي يده إصبعان من الكفتة وفي اليد الأخرى عود خشبي غرست فيه قطع من (الشيش طاووق). 

سأل عما يأكلان فأصرت لمياء أن تدس في يده بعض دبابيس الدجاج. وهكذا غادر الشقة راضيا وقد نسف غداء العروسين تماما فلم يبق لديهما ما يأكلانه إلا السلاطة، وفوجئ عصام به يـصعد الدرج قاصدا شقة أخرى!.. إذن هذا الشيطان الصغير يمر على شقق البناية ليجمع اللحم من كل شقة!.. هو لا يضيع وقته في جمع الفاكهة أو الأرز بل هدفه محـدد وواضح.. النتيجة أن البناية كلها صارت تعج بالجياع!

بعد ساعتين عاد الصبي لينام على الأريكة ثلاث ساعات كاملة. على الأقل في هذه المرة جاءت أمه وهنأت العروسين، وقالت إن ميدو يحبهما جـدا لكنها تشعر ببعض الخجل لأنه يضايقهما.. قالت لمياء إنه لا شيء يسعدها مثل رؤيته.. هكذا صاحت السيدة في مرح: 

  • وهو لا شيء يسعده أكثر من هذا.. فلتبق معهما يا ميدو ولكن لا تتأخر عن العاشرة مساء!

وتركته.. وعندما بدأ يصرخ طالبا لعبة أصرت لمياء على أن يأخذه عصام إلى السوبر ماركت ليبتاع ما يريد لأنه ملاك صغير. هكذا نزل عصام معه وهو يسب ويلعن في سره، وهناك شعر بأن الصبي لا يختار لعبة وإنما يقوم بتعبئة جوال بطاطس في حقل.. إنه ينتقي ألعابا لا يريدها ولا تهمه في شيء فقـط لتكـون عنده، ولربما كي يحرم صاحب السوبر ماركت منها! هكذا تحولت حياة عصام إلى جحيم بسبب ميدو الموجود في كل زمان وكل ومكان.. هذا الصبي أكبر من الواقع.. أكبر من الحياة ذاتها.. إنه كابوس.. 

وكيف انتهت القصة؟.. بما أننا نعرف أنها لن تنتهي إلا بالطلاق أو الانتحار أو قتل الملاك الـصغير، وبما أن هذا المقال يفترض أنه فكاهي، فإنني سأنهي القصة عند هذا الحد وأترك تصور النهاية لخيالك الخاص.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.