الصمت ينقر كبرياء حروفي

الصمت ينقر كبرياء حروفي

الخامسة علاوي

اللوحة: الفنان السوري بديع جحجاح

كان الليل قد أرخى سدوله، حين بدأت أمطار رعدية غزيرة تهطل غاسلة شارع العمر الحزين، من كل الأدران العالقة على أطراف أرصفته، وكنت على شرفة غرفتي أتابع صوتَ الرعودِ، وهمْسَ الشَجر، وقرْع حبّات المطرْ على ذاك الحجرْ، فتناهى إلى سمعي حديثُ حُصَيَّات صغيرة تئنّ وتستجدي لطف القدير تحت جلد سياط القطرات، وهنّ يدحرجهنّ إيقاعُ سيل جارف وهدير، مُفرّقَهن شَذَر مَذَر، فنقر الصمت كبرياءَ حرفي، فأنْصَتَ إليهنّ بعد أنْ حاصر الروح أنُّ الأنين، لتبلغه عبارتهن: “بين النطق والصمت برزخ فيه قبر العقل وقبور الأشياء”، فتهتز الروح ملتاعة، وتعرج في ليل كان مقداره مما لا يعدون، وتسْري، وأسري معها بقِطَع الليل البهيم. 

أسُلُّ من عدَمي وجودي..

وزادي، حسنَ ظنٍ قد ورثته،

 ويقيني، 

 عبدي: سِرْ فأنت دليلُك إليَّ..

ولأن القلب يتغيّر، 

وقلب قلبِك لا يتغير،

 والقرب الذي تعرفه مسافة، 

والبعد الذي تعرفه أيضا مسافة..

 فابحث عنّي عبدي بقلبك كلِّه، 

فأنا القريب البعيد بلا مسافة،

 وسر إليّ فيك..

فأنا الغياب وأنت الحضور، 

وحيث كنتَ سأكون، 

فاستعر لك جناحين وطِرْ،

 احترق من أجل كشْفي..

فأنا الحقيقة التي لا تبِينُ،

إلا إذا أحرقها الغياب، 

ووحدي أنا هو الغياب، 

فاحترق بي..

وإن أحرقك ببُعدك عنيّ كلّ الغياب.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.