أكرم صالح الحسين
اللوحة: الفنانه العراقية لمياء حسين
الأوراق تتطاير في أنحاء الغرفة بينما تجلس عيناي في تلك الزاوية تطارد الأخيلة والحروف التي تتراقص كأسراب من الفراشات، قصائد عن الحب، حكايات عن رغبات القمح، وأمهات تجري في الطرقات تسأل عن نبض قلبها، عن جوع صدرها وحلمها الذي سرقته الحروب.
كل شيء يدور من حولنا في فراغ ترسمه لنا محطات التلفزة والنعوات التي تلتصق بالجدران ، الجرائد والمجلات، أشخاص يظهرون فجأة في حياتنا يحتلون المنابر، يحددون طبيعة الأحلام التي نعيشها، وبأدوات بدائية كالوهم يحركون الأجساد والعقول باتجاه المرعى الواسع الذي يقيمونه على مداخل ومخارج حياتنا البائسة.
نحن الناس البسطاء
لا يشغلنا سوى فاتورة الحياة اليومية، ندفعها و نبتسم، نحمل الورقة ونهرع الى منازلنا وكأن الكوابيس كلها قد انتهت ولم يعد هناك ما يمكننا فعله، لذلك نعود الى النوم بعيون تسافر بنا إلى أماكن كثيرة وبعيدة .
عندما تشرق الشمس في الصباح نتلوى كثعبان جائع يحاول الخروج من جحره، يمد رأسه من تلك الفجوة الصغيرة يتلمس آثار الدفء والرغيف، بينما تهتز أوراق العمر في كل خطوة تحملنا بها هذه الأرض، لم تعد الأحلام مصدر استمرارية لوجودنا في زمن صار فيه الإنسان آخر اهتمامات الحياة ذاتها .
على مرمى من الوجع تتراءى لي قصة ذلك الجائع الذي كان يحلم بتفاحة الحب، وعندما استفاق وجد أنه يقضم قلبه، الحب الذي يحاصر قلوبنا من كل الاتجاهات ثم ما يلبث أن يعدو من بين أصابعنا، تاركا لنا القليل من الذكريات والكثير من الأسئلة .
ورقة صغيرة تستقر بين أصابعي، عصفورة صغيرة بجناح ملون وقلب صغير يرفرف،
أقرأ فيها: في زمن ليس بالبعيد وليس بالقريب، تعرفت الى امرأة، تحمل مزايا الصبار، في عينيها حكمة بومة، وعلى شفتيها يسيل نهر من النبيذ، شعرها بحر من الغرقى يمتد حتى سواحل ردفيها، امرأة يكتبها الشعر، اصطدمت بها بينما كنت أرعى صقيع عمري،
امرأة تفوح من إبطها رائحة تشبه ضوء الشمس وهو يضرب تربة حمراء بعد يوم ماطر،
امرأة بأكتاف، وصدر و نهايات ليل بلون الفجر، يتركك معلقا على أرصفة من الذهول،
امرأة ليست للوصف، امرأة تختصر الكون.
ورقة أخرى تزحف بخبث نحوي، تحاول أن تبلل شفتاي بحروفها ، أقرأ :
الأرض كروية، يقولها وهو يضرب الطاولة؛ فتنقلب الغرفة إلى بركة ماء يسبح فيها وهو يضحك، بينما تغرق أضواء الغرفة في البكاء، الرجل الذي ما زال يكتب قصائد البحر
مالحة حروفه كدموع الأمهات، يمد يده كشحاذ يحاول أن يسرق غيمة، لحبيبته التي ماتت عطشا، يقطع الأشجار ليدفئ برد وحدته، الرجل العاقل المجنون، ينتهي كمواسم الكمأة
سريعا جدا، دون أن يأخذ الإذن من شرارة البرق التي ضربت قلبه مباشرة.
أضحك كمغفل وأعاود النظر إلى الأوراق والهواجس التي تتحرك بسخرية أمام عيني،
وفجأة أشعر بأنني لست وحيدا في هذا الكون، أشعل محرقة صغيرة، وأبدأ بلملمة أوراقي المتناثرة وأنا أضحك قائلا :
هي الفوضى ولم لا، قد تغير شيئا قبل أن ينتهي العمر.