نبيلة يحياوي
اللوحة: الفنان الفرنسي أندريه ديران
لأنك في الالتفاتة ترى ماضيك البعيد قريبا، لكنه لا ينفك يدق ذاكرتك الملتهبة، ويفتح أروقة الحزن جزءا جزءا، ويعتصر الجزء المحطم فيك شيئا فشيئا، ولا تستطيع الانفلات منه؛ لأنك ستجد نفسك محاصرا في سراديبه، في ظلمته الرهيبة التي تكتسح جدران أنفاسك حتى لا تتنفس من جديد، وتتكرر المأساة مرارا وتكرارا دون جدوى، وتمضي بك قوافل الألم إلى كل شبر حُطمت فيه، فاترك هذا النصف الذي أتعبك، وامض بعيدا ولا تلتفت، امض وكأنك تجابه رصاصة الموت المحتم، واذكر شيئا جميلا وُلِعتَ به؛ علّه يكون في النصف الآخر من ذاكرتك السرمدية، علّه موجود في مكان ما من النصف الآخر لفؤادك، أو ربما كان يوما كطيف تسلل خلسة إلى أغوارك دون أن تشعر، فانبش فيه، علّه الترياق من كل ألم دفين، دع إحساسك يعود من جديد، مع كل قطرة مطر غدّقت التراب أريجا، دعه يسبح في أديم سمائك، وإياك أن تلتفت وتعود.. فكل التفاتة، هي البداية للماضي.