الشاعر أزراج عمر.. في القلب

الشاعر أزراج عمر.. في القلب

المهدي ضربان

اللوحة: الفنان الإسباني خوان ميرو

ماذا لو قلت لكم أن اسمه كان يشدني كثيرا حينما ارتبط عندي بمرحلة ثقافية مميزة، مرحلة السبعينات، مجلة مثل “آمال”، تغريك كي تكون ملكة المجلات حينها. اتحاد الكتاب يصنع لمسته التأثيرية، وأسماء عبد القادر السائحي، وحمري بحري، والعيد بن عروس، ومصطفى فاسي، وزوليخة مسعودي وجميلة زنير، وعبد العالي رزاقي، تحكي لك رواية السبعينيات بكل بساطة، أزراج عمر وقتها عشقته من يوم قيل لي هو من نفس منطقتك، العجيبة، إو الأخضرية، المهم من جغرافيا قريبة من سيدي عيسى، عاش أزراج عمر لهذا الهاجس، تسكنه العاصمة وتغريه ويغريها بخاصيته الشعرية، كان يميل الى أن تسعد ذاته بكبار الكتاب، يتابعهم، تستميله تراجمهم، ويعيش الهم الثقافي.

هذا الذي جاء من بلدة صغيرة يحيل ذاته على إعلانات يومية الشعب، تدله على نشاطات في الكابري والموقار، كان يعيش لغة المدينة، يغوص في فسحة إبداعية من هندسة جيل السبعينات، نعم يغوص في النشاط وفي تفاصيل تهندسها محطات عديدة، كان أولها اتحاد الكتاب ومنشوراته، إضافة لتواجد مجلات أخرى تصدرها مؤسسات ووزارات، كنت وقتها في الجامعة أدرس الصحافة الى أن تخرجت عام 1983، كنت اشتغل وقتها في مجلة الوحدة، وكان هاجسي يلازم كتابات المثقفين والشعراء، فرصة نزور فيها مجلة المجاهد وأصدقاء لنا من الثورة الافريقية الناطقة بالفرنسية، مشري بن خليفة، حمري بحري، أزراج عمر، ابراهيم رماني وأسماء أخرى كثيرة، تصنع المعنى والهوس، كنا نعيش تحناناً يجمعنا بأدب السبعينات وأصحابه، ولم يكن وقتها أحد قادرا على أن ينتقد الحزب، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، سواء عبر نصوصه أو شخصياته أو عبر توصيات لجانه المركزية، حزب جبهة التحرير الوطني، زمن شريف مساعدية، ومحمد جغابة، صالح قوجيل.

وقتها وبكل روح شاعرية يلامسها هرمون الذات، وإيمان النظرة الواعية في قول الحقيقة الفعلية، راح شاعرنا الجميل أزراج عمر، يكتب قصيدة شعرية، زلزلت كل القيم والأساليب المتعارف عليها في الأنظمة الشمولية، بل كان سيف البوح يزلزل الحزب والتنظيم نفسه، في وقت كانت فيه الناس كل الناس، يخافون أن يتم تصنيفهم ضمن المادة120والتي كانت تطبق على من يخالفون أوامر الحزب، كأنك تشتم رائحة الحزب الشيوعي الكوري الشمالي، لا يجب أن تخرج على طاعة الحزب، أخي الجميل أزراج عمر وقتها قصف الحزب بجرأة كبيرة، وكتب قصيدة مباشرة، كانت سببا في أن يعرفها الناس ويحفظونها، يقول أزراج عمر:

“أيها الحزب الذي فرخ قطعان الطحالب

أيها الحزب الذي حوّل أجراس الينابيع مخالب

إننا نطلب شيئا واحدا منك/ تجدد، 

أو تعدد، 

أو تبدد.”

وصل هذا الكلام الى المخابرات والى الرئيس الشاذلي بن جديد، والى كل من يهمه الأمر كي يقوم بفعله المنتظر، يريد إن يؤدب هذا المتمرد الذي انتهك المادة رقم 120، بل نسف الحزب والجهاز المركزي، لجأ شاعرنا الجميل – كما يسرد هو الواقعة – لمن يعرفهم كي يقفوا معه، أو يقومون بإجراءات معينة لأجل عدم متابعة، الشاعر الجميل أزراج عمر، ذهب الى مولود قاسم نايت بلقاسم والى عبد الحميد مهري، رحمة الله عليهما، لكنهما لم يستطيعا فعل شيء، الملف لدى مخابرات الشاذلي، وهم لا يستطيعون فعل شيء، هم بمصطلح الدارجة: مجرد ” خضرة فوق طعام “. عرف شاعرنا الجميل أن القضية كبيرة فعلا، فلجأ لشخص نافذ، وهو الذي وضب له جواز سفر جديد، بعد إن صادرت المخابرات جواز سفره الأول. 

نعم تجدني دائم التساؤل: هل يوجد شاعر أو روائي أو كاتب في الجزائر، استطاع إن يرسم لحظة من التمرد الفعلي ضد جهاز دوغماتي ونعته بمثل ما رسمه من رؤى شعرية؟ لا أظن أن هناك أحداً كان يملك الجرأة مثل أزراج عمر الذي وجد نفسه منفياً. في بلاد الضباب بريطانيا، هذا الذي نفته قصيدته وصنعته، ولمسته التي يبدو أنها كانت صادقة، كيف لا؟ وجهاز الحزب ما بعد التعددية السياسية والحزبية والاعلامية، ضربهُ الهوان بعدما “تمدد”، و”تبدد”، و” تعدد “، بل و”تكبد ” ضربات كثيرة،  وبعد أن “تودد”، و”تردد”، و”تلبد”، و” تجمد”، ليسقط مفعوله بعد الحراك المبارك.

بقى شاعرنا أزراج عمر الجميل ينشر إبداعه وفكره ونقده وفلسفته، ويكتب في صحف ودوريات من بينها العرب اللندنية، كان سيداً لموقفه ولرؤى لبسها هنا في الجزائر متشبعا من حياته الأصيلة، ومن خصاله الإنسانية، من حكم وفلسفة والده العبقري الذي عرف كيف يجعل منه وبلغة العيون فقط، عنصرا إيجابيا بعيدا عن النزعات الأيدولوجية والمجموعات الضاغطة، بعيدا عن إغراءات أصحاب المال والأمراء، وكذا المتنطعين من العملاء والسماسرة والدجالين، فالشاعر أزراج عمر لبس هذا من منبته الأصيل، ومن ثقافته الواسعة، ومن محطات له في الفكر والابداع والفلسفة.

عرضوا عليه يوما أن يكتب كتابا في الرئيس المصري الراحل “حسني مبارك” فلم يقبل، وعرضوا عليه مع صحفية فرنسية إن يكتب كتابا في الراحل “معمر القذافي” فلم يقبل طبعا، لكنه قبل بالعرض الصادر من قلبه ومن نفسه وتخمينه، عندما أسس مجلة ثقافية فكرية بعنوان “مثاقفات” في بريطانيا.

يقول الشاعر أزراج عمر في مجلته “إنّها ستكون جسرًا ثقافيًا متينًا بين ثقافات الشرق والغرب، وستتيح الفرصة لإلقاء الضوء على الفكر الإنساني بنقاط التقائه واختلافه، وستكون المجلة فصلية وتوزّع ورقيًا في بريطانيا بانتظار توزيعها في عدّة دول أخرى.” 

وتحدّث مؤسّس ومالك المجلة أزراج عمر لـ موقع “الترا جزائر”، عن إرادته الكبيرة في أن تصنع “مثاقفات” الفرق في المشهد الثقافي العالمي، بما أن الهاجس واحد، وهو محاولة فهم الآخر، وتقريب وجهات النظر، ومعرفة زوايا أخرى قد تغيب في مواضيع كثيرة، ستحرص المجلة على إثارتها، وستكرّس هذه المجلة الفصلية “مثاقفات” كما يقول الشاعر أزراج عمر، ملفَات للمستجدات الفكرية والأدبية والفنية في العالم، وتخصّص صفحات ثابتة لإشهار الكتب الجادة، التي تنشرها أهمّ دور النشر الأجنبية، كما تقوم بتكليف المتعاونين معها في العواصم العالمية الكبرى، بإنجاز تقارير تغطي النشاطات والندوات الفكرية والثقافية والفنيّة التي تنعقد فيها. 

الهدف المركزي من وراء هذا المشروع، هو تحقيق جزء حيوي من المثاقفة، وإطلاع مجتمعاتنا، ومنها في الجزائر، على أهمّ الأفكار التي تبتكر في العالم في مختلف أشكال التعبير الثقافي والفكري والفني.

هكذا هي سيرة ومسيرة شاعرنا الجميل ازراج عمر الذي ارتسمت فواصله في داخلي منذ أن قال كلمة عجيبة بعد جائحة كورونا، قرأتها من صفحته الفيسبوكية، ولم يتنبه اليها أحد، قال أزراج عمر، بعد تفشي الموت في بريطانيا وفرنسا وايطاليا واسبانيا خاصة، “علينا أن نحفظ ما يتواجد في حواسبنا من معلومات وكتابات وابداعات، فالوضع لا يسمح لك فعلا بأن تعيش على وقع هاجس، قد يدمر فيروس كل معلوماتك وبالتالي كل حياتك”، ما جعلني أنا شخصيا، أجمع كتاباتي بعد أن نبهني الشاعر أزراج عمر،  فجمعت في “فلاش ديسك” كل مادتي المتواجدة في الكومبيوتر، فقد يحدث ما لا يحمد عقباه. 

نعم بقي هذا الكبير أزراج عمر وفياً لبلده وهموم شعبه، يرسم نضاله في كتاب خالد عن حراك 22 فبراير في الجزائر، مخلدا ذكرياته وزخمه ضمن صفحات كتاب قيم. 

قيمة أفكار هذا الكبير الذي نتواصل معه دائما عبر الفيسبوك، نعيد لبعضنا رؤى بيننا، ونعيش ذكريات ماض جميل، وهوس قصيدة، ولمسة أمسية شعرية من “أدونيس” أو “مظفر النواب”، تجمعنا في قاعة الموقار والكابري والنفق الجامعي وفي نادي طالب عبد رحمان، نقرأ الصفحة الثقافية ليومية الشعب. 

هي إذن ورقة رسمتها بطريقتي، ولونتها بلمستي، عايشت فيها حدث الكبار، حدث هذا الجميل الكبير الشاعر أزراج عمر الذي يزين جنريك محبتنا، معلنين له وبقوة، أنه واحد منا، نعيش حكايته الإبداعية والأسلوبية والاعلامية، وهو يعلم ذلك، كلما تحرى جيدا قيمته عندي، وحينما رسمت له محبتي وقلتها أمام الملأ، أنك فعلا في القلب.

عمر أزراج كاتب وشاعر جزائري، ولد في 28 أيلول/سبتمبر 1949 في ولاية بجاية شرق/ شمال الجزائر العاصمة، وهو مقيم منذ عام 1986 في لندن. من مجموعاته الشعرية: “وحرستي الظل” 1975 “الجميلة تقتل الوحش” 1978 “العودة إلى تيزي راشد” 1984 “الطريق إلى أنمليكش وقصائد أخرى” 2005 وله عدة كتب أخرى منها: الحضور (مقالات أدبية) 1977، أحاديث في الفكر والأدب (حوارات فكرية وأدبية) 1984، منازل من خزف (دراسات في السياسات الثقافية الجزائرية) 1995. ترجمت نصوصه إلى عدة لغات منها الفرنسية، الإسبانية، الروسية، والفارسية، كما نال عدة جوائز منها جائزة “اللوتس” الأفرو آسيوية للأدب عام 1994 التي يمنحها إتحاد كتاب آسيا وأفريقيا. 

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.