ظل الخوف

ظل الخوف

مصطفي البلكي

اللوحة: الفنان الإنكليزي فريدريك جودال

أثناء رجوعي إلى البلد، وبينما أنا داخل علبة السردين، إذا بالسائق يمد يده إلي مفتاح التسجيل فتنتهي أغنية “ويلموني”، فثارت البنات والصبيان، كون الأغنية كانت أغنية العام، السائق، أغلق الأفواه حينما قال:

ـ دخلين علي كمين.

وقفت السيارة، فدنا الضابط، ومر بعينيه على سحن الركاب، ولم تعجبه إلا سحنتي، فطلب مني النزول، وبعدها، طلب من السائق أن يتحرك، فتحرك، وتركني معهم، لأركب البوكس، الذي سلمني بدوره إلي المركز، وهناك تم أخذي مع آخرين إلي مبني أمن الدولة، فدخلنا ونحن معصوبو العينين، واحتجزنا في غرفة واحدة، كان بها أكثر من أربعين، كلهم إما طلاب، أو موظفين صغار مثلي.

بعد ساعة، جاء دوري، وتم اقتيادي وأنا معصوب العينين، فصعدت بين اثنين إلي الدور العلوي، ثم مشينا عبر ممر، وفي إحدى غرفه أدخلوني، فصفعت رائحة الدخان أنفي، فعرفت أنني أمام شخص يدخن.

وصلني صوت تقليبه للأوراق، ثم قال لي:

ـ أنت موظف؟

قلت:

ـ لسه طازة.

ضحك، وعاد ليسألني:

ـ تعرف حد من الجماعات؟

 استعدت تجربة سابقة، لاعتقال صديق، فأجبت:

ـ بيقولوا ناس طيبين.

ـ بيقولوا.

ـ آه. بيقولوا.

ـ هما بقي مين دول.

ـ الناس.

ـ أيوه مين هما.

ـ اللي بصلي معاهم.

ـ ليه طيب.

ـ لأنهم بيعرفوهم أصول الدين.

تنهد، وضرب سطح المكتب بيده، وصرخ في:

ـ باين عليك يا حيلتها هتتعبني.

وسكت وعاد ليقول:

ـ تاخد سيجارة.

قلت:

ـ أخد.

ـ باين عليك مش ساهل.

ووجه كلامه لمن سحبوني إلى مكتبه:

ـ خدوه من هنا.

وخرجت، وأنا كلي تصميم على البحث عن سكن في المدينة، حتى لا أتعرض لنفس الحادث، خصوصا بعد أن أصبح الكمين ثابتا، وفي يوم رحيلي من البلدة وضعت  الحقيبة جانبا، وجلست على طرف السرير، تطلعت إلى المكونات بعينين ملبدتين بالكثير من الأسئلة، بادلني والدي نفس النظرات لمحت ارتجافه تعلو شفتيه، كالذي ينوي الكلام، ملاحظة تبددت، حينما عادت الشفتان إلى حالة الانطباق، وعاد الجسد المستور بفانلة ولباس من الدبلان إلي سكونه، ومد يده السليمة وقبض بها على هراوة الفأس وعليها أراح الأخرى البلاستيكية، ثم تركها وخرج، وتبعته، عانقت جسده، وتذكرت يده التي فقدها في إحدى الحروب، وتذكرت خوفي من مجهول أهرب منه، فشعرت بمقتي لنفسي، ودخلت ومددت يدي إلي الحقيبة وعيني على الدولاب المفتوح. 

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.