سعد عبد الرحمن
اللوحة: الفنان الإنجليزي فريدريك جودال
في أواخر شهر ربيع الأول سنة 1213ھ / 1779م وقعت مشاحنة بالجامع الأزهر بين طائفة الشوام وطائفة الأتراك، وبين صلاة المغرب وصلاة العشاء هجم الشوام على الأتراك ودارت معركة بين الطائفتين انتهت بمقتل واحد من الأتراك وإصابة جماعة بجروح مختلفة، فلما أصبحوا ذهب الأتراك إلى ابراهيم بك (شريك مراد بك في زعامة المماليك) وأخبروه بما حدث من الشوام معهم فاستدعى إبراهيم بك الشيخ عبد الرحمن العريشي (نسبة إلى العريش) مفتي الحنفية والمتكلم على طائفة الشوام (أي المتحدث باسمهم) وسأله عما حدث من الشوام وأنه لابد من معرفة أسماء المتورطين منهم في هذه الفتنة بصفة عامة وأسماء القتلة بصفة خاصة، فأخبره الشيخ عبد الرحمن العريشي بأنهم هربوا وعندما يظهر أحد منهم فسيأتي به إلى حضرته وكتب للأمير في ورقة عددا من الأسماء للأمير عندما فحص عنها تبين له أنها أسماء وهمية لاشخاص غير حقيقيين فعرف أن الشيخ يعمي عليه الأمر ويستغفله، فأرسل يستدعي الشيخ العروسي شيخ الجامع الأزهر كما استدعى بقية المشايخ فجاؤوا إليه وتغيب الشيخ العريشي فأرسل يبحث عنه فلم يجده.
اغتاظ ابراهيم بك وتكلم مع مراد بك على ضرورة معاقبة الشيخ العريشي فاتفقا على عزله من منصب الإفتاء للحنفية فعزلوه، ولما عزلوه استبدلوا به الشيخ محمد الحريري الذي ألبسوه خلعة الإفتاء ليكون مفتيا للحنفية عوضا عن الشيخ العريشي، وأرسلوا خلف العريشي يفتشون عنه يريدون القبض عليه لنفيه خارج البلاد.
ذهب الشيخ السادات إلى الأميرين ليتشفع في الشيخ العريشي ويردهما عن قرارهما بنفيه، ولما علم الشوام بما جرى هربوا بأجمعهم خوفا من أن يصيبهم أذى، وجاء الآغا فسمر رواقهم (أي أغلقه غلقا محكما بالمسامير) واستمر الأمر على ذلك لعدة أيام، ووصل الغضب على طائفة الشوام إلى درجة أن المَجَادْلة (أي أبناء المجدل بفلسطين) وكذلك الطبرية (القادمين من طبرية) منعوا من دخول الرواق.
ثم انتهى الأمر إلى حل وسط وهو أن يقطع من خبز الشوام (الجراية) مائة رغيف تعطى للأتراك دية لمن قتل منهم، وكتب محضر بذلك اتفق فيه المشايخ على فتح الرواق بعد اقتضاء الدية.
- (من كتاب “عجائب الآثار في التراجم والأخبار” للجبرتي بتصرف)