المهدي ضربان
اللوحة: الفنان الألماني هاينريش كامبيندونك
الصدفة وحدها من صنعت لي حكايتها، ولازمت تفاصيلي لكونها كانت تعيش لمسة المعنى ضمن قصاصات اليوميات، هناك تتخندق كي تنجب تلك القصة الخبرية المطعمة بفلافل المعاني الجميلة، كان لطابعها الشاعري أن وصلت الى تخمين يؤسس للبوح وترسيم هاجس لها في أوراق لها هنا وهناك،
الصدفة وحدها من جمعتني بالشاعرة رجاء الصديق، ابنة العلامة الجزائري الشهير محمد الصالح الصديق، وعبر هذه التوليفة الجميلة التي انصهرت في بيت عالم العلماء، أمكن لي أن أعرف منبت هذه الشاعرة الكبيرة، حينما جمعتنا الصدف عام 2005 في مكتبة الوطنية الحامة، كنت أعايش لحظتها محطات يوميات إعلامية لمدينة سور الغزلان، يوميات جمعتنا بكبار المبدعين والشعراء والاعلاميين والروائيين، وأمكن لي أن أعايش تاريخ مدينة سور الغزلان التاريخية، أوقل “أوزيا” التاريخية، وهذا عبر تفاصيل جسّدها الشاعر الشعبي عمر بوجردة وكان من وراءه الشاعر الزجال توفيق ومان رئيس الجمعية الجزائرية للأدب الشعبي، يهندسون في أروقة مكتبة الحامة لجديد إبداعي رائع، وكيف لا يكون الحدث رائعا والذي كان مديرا للمكتبة وقتها الدكتور الاكاديمي الروائي أمين الزاوي، محطات صنعت لي الحدث وجعلتني أعايش تجربة الشاعرة المميزة، رجاء الصديق، سيدة الحرف والبوح والمعاني الجميلة، تتراءى لك في قصاصات يومية جريدة، صوت الاحرار، تغريك بلمستها الثقافية والشاعرية وتلون المشهر جميلا، تماما مثلما كانت تغرينا في تلك الايام بشعرها الذي يحمل هارموناً عجيبا من عطاءات تجربتها اللامعة، تحيلك إلى بوح وفرح ومحطات، وتغوص معها كي تكتشف إبداعا ومحطات تجربة شاعرة، عرفت كيف تعيد الينا الروح من حكي ولمسات وفواصل، تداعب بها هذا التنوع الفني الذي لازمها في تجربتها الإبداعية، وجعلها تسعى كي تحيلنا إلى إضاءات جميلة في قصائدها اللامعة، عايشناها معناها الشاعري حينما صدر لها الكثير من الدواوين الشعرية، تؤسس لكينونتها، وتعطينا إجابات واعدة لذلك الهم الذي يسكنها ولهاجس واحتراق يغوص في ذاتها الحالمة، حينما تنعشنا عطاءات من تفاصيلها الشاعرية المميزة.
رجاء الصديق هندست لنا وصلات من بوحها الشاعري حين راحت تجاهد بقلمها، تحيلنا إلى دواوين شعرية خالدة، منها ما نغوص فيه اليوم، بسجل تراجمها وسيرتها الابداعية العطرة، وفي مجموعاتها الشعرية: “قطوف المواسم الراحلة”، و”الظلال الراقصة”، “فواصل للعشق الأحمر”، “غنج الأنثى”، و”أنت وكفى”، وما سيصدر لاحقا سيؤسس لكينونتها ولبوحها المميز، حينما نذكر العناوين التالية من قصص ونثر : “أنا البلهاء”، “رواق الاعتراف”، “ما قد يشبهني”، “طقوس المرايا”، ومقالات لها في علم النفس الطفل، وإصدارات أخرى في المجال التربوي الذي هو من اختصاص عملها ودراساتها في علوم التربية.
هذه هي رجاء الصديق الذي عرفتها منذ عام 2005 لتستمر العلاقة الابداعية، حتى عام 2007 حينما التقينا في بسكرة في مهرجان محمد العيد آل خليفة، تلون المشهد برؤى واعدة من تفاصيل صنعتها في أروقة دار الثقافة أحمد رضا حوحو، وتؤسس لنهج يسكنها ويحيلها إلى عطاءات أخرى هي من صميم تجربتها الشعرية، وكان لها أن تصنع ملحمتها لوحدها من خلال تواجدها المميز في هيئة تحرير أول موقع ثقافي وطني، كنت شخصيا من ضمن مؤسسيه، وهو موقع “أصوات الشمال”، هناك أمكن للقارئ وللدارس أن يعيش تجربة كاتبة، ولا نقول شاعرة فقط، عرفت كيف تحيل القارئ إلى لمستها وإلى كتاباتها، حيت كانت تكتب بغزارة، تلون صفحات الموقع، وكذا تفاعلات القراء زخما جادا من العطاءات، أكاد أرى أنها المرحلة الزاهية، في تجربتها مع الابداع والاحتراق والهاجس الذي كان يسكنها ويغوص في الذات، معلنا عن حراكه الحالم، يلون لغتها بتفاصيل أسلوبيه رائعة، كانت بمثابة البحث الآخر في تجربة رجاء الصديق الإبداعية.
من محطاتها تشدني كلمات من رجاء الصديق، تؤسس لبوحها الحالم وللغتها الأنثوية الرائعة، كلمات وجدتها في مذكرتي تحيلني وتحيل القارئ إلى كاتبة جادة ومميزة ورائعة، تقول الشاعرة، “لكي أمرر حماقتي الى مواعيدك المرجئة، يلزمني التبرؤ من زخم أرصفتك الخاوية، والتدثر بالشبق المولول في الشجن، كيما تنهض حشرجة الأنثى بداخلي، أنا القادمة من تلاقح أسراب العناقيد ومشانق الأحزان الخريفية”.
هي تلك اللمسة الشاعرية لكاتبه متميزة، تحيلنا إلى تميزها، وإلى لغتها الخاصة، هي عين سيرتها الجادة من عطاءات مازالت تهندسها إلي هذه الساعة، وتجاهد بالقلم مثل والدها العلامة الكبير والشهير – ربي يحفظه لنا – محمد الصالح الصديق، تؤسس لعالمها ولنشاط دؤوب يسكنها كي تعيش نشوة القصيد، وتعيدنا كما العادة الى البوح والفرح، رجاء الصديق إنسانة رائعة من منبت أصيل رائع، نعايش حرفها ولغتها وتفاصيلها، أراها واحدة من عائلتي، واحدة من الشاعرات اللائي عرفن كيف يرسمن أبجدياتهن محبة وتواصلا وأخوة، هذا الذي جعلني أعتبرها ابنة عائلتي، بل قل هي، واحدة في القلب.
رجاء الصديق من مواليد الجزائر العاصمة، ١٩٦٥ شاعرة وصحفية، ومدرسة للغة العربيّة، من إصداراتها “قطوف المواسم” 2005، “الضلال الراقصة” 2006، “غنج الأنثى” 2007، “طقوس المرايا” 2009، “فواصل العشق الأحمر” 2010، “ما قد يشبهني” 2011، كما لها إسهامات حول التربية وعلم النفس وقضايا المرأة.