أحمد دسوقي مرسي
اللوحة: الفنان الأكراني الكسندر ياتسينكو
الوحدة والحزن والخريف:
الحزن في القلب نصل رهيف سموم الملل في الدماء تسري.. شمس الآمال حجبتها سحائب الأكدار
– يا ويلي من هذا المساء المخيف
خطواتي هذيان على الطريق دون معنى
– ليتني أعرف سببا لآلامي
جند الخريف تحاصرنني بأشواكها تخزني وتلسعني تخترم لحمى وعظامي ومع ذلك فانا لست ابالى
الاشجار صوحت.. عاقتها الاوراق وغادرتها الى الطريق.. اوراق اخرى صفراء مازالت تتشبث بصدور الاغصان سوف تقطفها اكف الريح الهوج عن قريب
– انا متعب.. المسير أتعبني لماذا اسير ولا هدف لي ولا طريق؟ سوف اجلس على هذا المقعد الحجري هناك، اف المقعد الحجري قد من الثلوج. صلب. بارد سأجلس لابد ان اجلس حالتي لا تسمح بسير طويل أنا لست ابالى
المجلة.. وضعتها عن يساري. الهواء الملعون بدأ يزحزحها.. بأسنانه المثلوجة يعض صفحاتها. اوراقها تئن طفل الغلاف يبكي ويتوجع حملتها وسدتها بين يدي – الا من تسلية فيك يا ايتها الصفحات.. كلمينى.. شاب موثوق اليدين يقف خائفا.. رجل وجهه لا يبين يمسك بمسدس صغير في يده يصوبه الى رأسه كلمات تحتها “في فيتنام الأيدي الاثيمة تنزع الحياة الثمينة” ماذا بالله تعنى الكلمات؟ انا لا اعيها ماذا في الصورة من جديد لا شيء ابداً جديد، طويتها المجلة
– سوف ألقيك بجانبي فكل شيء يا عزيزتي سخيف طفل الغلاف ما زال يبكي.. علام يبكي وكل الاطفال يبكون؟ السيارات شياطين تجرى صوت البحر من خلفي يهدر قبضاته المرعبة تدق الصخور حتى انت يا بحر تريد الانفلات اذن فاضرب اضرب بكل قواك وعنفك فالكل ضارب ومضروب أضرب كل الليل وكل النهار اضرب فانا لست ابالى
فتاة على الطريق:
فتاة تبدو من بعيد خطواتها على الطريق متهادية مستأنية شعرها الاسود الاثيث يرفعه عن راسها الهواء المجنون راحة يسراها تحط عليه تمنعه من حرب العبث مع الهواء صغيرة
– لماذا تسير وحدها مع الغروب والخريف؟ لتمضي وحدها ماذا يعنيني من امرها؟ وانا مالي.. كلا انها تمضي نحوي وأعجبا!! كأنها تعرفني نظرات عينيها تلصقها على شخصي
– مساء الخير
– مساء النور
جلست على طرف المقعد اراحت حقيبتها على ركبتيها مسحت بميناها على شعرها الذي تهدلت خصلاته ماذا تبغي بحق الاله؟ انا مالي
الملل الفتاك يصارعني الحزن صخور تتدحرج في القلب اشعلت سيجارة دخانها الذي كان لذيذا لا طعم له ولا مذاق.. صوت مذياع يرن فجأة من مكان لا ادريه “اسقطت طائراتنا المقاتلة الاعتراضية صباح اليوم طائرة اسرائيلية من طراز سكاي هوك فوق القناة عند….”
لــم اسمع تفاصيل النبأ بعد ذلك استغرقني الذهول تماماً كل شيء بدا تافها وباهتا الرياح تكنس من تحت ارجلنا اوراق الاشجار البحر الهائج المجنون ما زال ينطح صخور الشاطئ ويصارعها ماذا لو اندفع كاسحا في طريقه الاشياء وزحف على المدينة يخلع كل شيء فيها ويلتهمه ليت ذلك يكون ماذا يهمني انا لست ابالى
– إذا سمحت المجلة من فضلك
– تفضلي
تناولتها من يدي انتهى الحديث عدت الى صمتي خروشة الاوراق تقتحم سمعي دبيب القرف في نفسي أصغي اليه كل شيء يا رب سخيف، التفتت الى صاحبتي في حركة لم اقصدها عيناها تحدقان في صورة الرجل الذي يصوب مسدسه الى رأس الفتى قبضت على نظراتي المتلصصة عليها ابتسمت
الحديث:
– هل ينوى قتله؟
– قتله بالفعل
– فظيع في أي بلد يحدث هذا؟
– في فيتنام
– ومن هذا الرجل القاتل؟
– أمريكي
ابتسمت:
– ظننته اسرائيليا
– الشر واحد والهدف واحد
– ولماذا الحرب دائما؟
– ….
– يقولون اننا اسقطنا طائرة العدو
– نعم
حط طائر الصمت بيننا اجفلته بحديثها الجديد:
– البرد هنا شديد
– نعم
– يبدوان شتاء هذا العام سيكون قاسيا
– هل تحسين بوخزاته؟
– نعم
– ولماذا تتعذبين ولا تعودين الى بيتك واسرتك؟
حدجتنى بنظرات مصها الالم
– لأني وحيدة
اعتراف أراحني يا للعذاب الذي به تتعذب!
– انا ايضا مثلك
أشرق وجهها بالابتسام
– موظف هنا حضرتك
– نعم
– من أي بلد؟
– من القاهرة
– هي مدينتي ايضا
ابتسمت لأول مرة منذ هذا الصباح السئيم ابتسم..
لكن ماذا يعنيني من امرها لتكن هي من تكون انا لست ابالى
– الا تريد ان تتمشى قليلا؟
– إذا لم يكن لديك مانع
خطواتنا على الطريق طرقات تدق قلبي أفكر فيها زميلتي ابحث لها عن كلمات اقولها اللعنة.. اللعنة ماتت الكلمات في دخيلتي صوتها يأتيني أنقذيني من ورطتي زنقذيني..
– تسكن بعيدا من هنا..
– ليس بعيدا تماماً
– هل في استطاعتنا الوصول اليه سائرين؟
– نعم.. إذا اردت
ورطة. كارثة لا تفتأ المقادير ترميني بالأرزاء ماذا افعل الان؟ انا لا اريدها لا اطيقها لوانها قابلتني في يوم غير هذا اليوم لرحبت بها اما ان تلقاني في هذا المساء التعيس فامر لا ارتاح له كثيرا ولا قليلا
– انا هنا منذ العام الفائت
– وانا ايضا
ضحكت:
– اشياء بيننا مشتركة
“مقارنة قذرة كيف تقارن نفسها بي”؟
– مات ابى بالسكتة بعد ان تركت بيتنا مع رجل زين لي الطريق
” لماذا تسرد على مسمعي قصة حياتها او تعنيني في شيء؟ انا لست ابالى بحياتها ولكن ابى مثلها مات ايضا بالسكتة بعد نقلى الى هنا “
– مات ابى ايضا بالسكتة بعد نقلى بشهرين
– يا خبر حاجة عجيبة
تبسمت قلت لها:
– كما تقولين: اشياء بيننا مشتركة
ضحكت وامسكت بذراعي:
– صحيح ولكن لماذا لم اقابلك طوال هذه المدة؟
– لقمة العيش انها تأكل الناس على الدوام
تنهدت وأطرقت ودفعت بقدمها حجراً صغيراً هذه الفتاة شدتني اليها يخيل الى انها تفهمني اتمنى ان اسير هكذا معها حتى الصباح ذراعها في ذراعي نثرثر نضحك ولا اذهب الى العمل غداً سأقول لها اشياء عن نفسي وحياتي وليتني اقولها بمثل بساطتها
– لقمة العيش هي قيد الابد.. من تحرر منها تحرر من كل القيود هي الحرية دونها كل الحريات
هزت راسها موافقة لعلها لا تفهمني.. هكذا يبدو صمتها
– صدقيني لقد كرهت هذا البلد اتمنى ان اعود اسعد الناس جميعاً سوف اكونه لو تخلصت من قيد الوظيفة انا أحس هنا بضياع غريب
– انا الاخرى ضائعة
تعاستنا مشتركة العذاب بيننا واحد نظرت الى وذراعها ما زالت متعلقة بذراعي
– ولكنى لا أستطيع ان اعود
المذياع يرن صوته من محل عصير قريب
” ادلى متحدث عسكري ان طائراتنا المقاتلة الاعتراضية اسقطت صباح اليوم طائرة اسرائيلية..”
– أحسن
قلت على أثرها في حماس حقيقي:
– لابد ان ننتصر
– ان شاء الله
– انتظري سأشتري لك كوبا من عصي الفراولة
– لا
توقفت
– انا جائعة
– اذن انتظري قليلا هنا سأشتري لك طعاما من هذا المحل هناك
الطعام:
خطواتي مهرولة.. انا جائع مثلها.. ابتسمت.. شيء بيننا مشترك.. يا للأشياء الرائعة الجميلة.. أي حماس عجيب غمرني الان… خرجت من المحل مثقل اليدين.. سيارة فارهة تقف بجوارها.. اكاد أصعق قلبي بلغ حنجرتي.. الدماء تحترق في رأسي باب السيارة يفتح، اللعينة تركب السيارة، تنطلق الان، وقفت مكاني، اه يا رب هذا الطعام من يشاركني فيه؟ المجلة ما زالت في يدي، طفل الغلاف ما زال يبكي مذعورا، علام يبكى؟ لماذا عيناي تدمعان؟ ايها الطعام المسكين الذي لم تمسسك بيديها: اختفى هنا في احضان المجلة التي لمستها بيديها… صورة الرجل ذي المسدس، دمائي تنزف في دخيلتي.. دمائي.. أحزاني… متى أفيق؟