الفكرة

الفكرة

بثينة الدسوقي

اللوحة: الفنانة الأميركية ليز تران

في ذلك العُمق البَعيد

حيث لا يُدرِكُ أحَد

أن ثمَة شَيء حَيْ

في ذَلك التيِه الذي يَختفي فيه كلُ شَيء

صَحراء.. مِحْراب.. صُندوقُّ أسود

أو قبو سرّي

تَحيَا الفِكرة 

وبطلها: المَوْت.

***

المَوْت

تُولَد بِه 

تَحمِلَه في كلِ الأحوالِ وكأنه..

سِنامُ الجَمَلِ

أوْ عُنُقُ الزَرَافَةِ

كَبِدُك

قَلْبُك..

***

الطِفْلُ الصَغيِر..

تُلَقِنّه الأمُ أن يَنْظرَ في الاتّجَاهَين 

عِنْدَ عُبوُر الطَريق

وعِنْدَ اتّخَاذِ القَرَار

وتُلقّنه الدُنيَا أن يَنظرَ في الاتّجَاهَين

عِندَما يَسرِقُ

وعِنْدَما يَكذِب

الطِفْلُ الصَغيِر لا يُدرِك الفِكْرَة

ولكنّه يَخافُ النارَ .. قَليلاً

لِئلا يُلسَع

ولِئلا يَتشوّه

ولأن الشَيخُ قال:

“النَار وبِئْسَ المَصيِر”

***

الفَتى..

شَغَفُ حَماسه يَعميِه

فتكادُ تَنْطَفئ الفِكْرَة

تَتَوارَى عَميقَاً بَينَ الحَنَايَا 

ويَصيرُ كل غَريبٍ قَريِن

وكل مَجْهولٍ مُرَاد

يَسيرُ في الأرْضِ مَرحاً

ثم تطأ عَلى رُوحِهِ السُنونُ

يَتَدَاعَى الرَجُلُ قَليلاً 

دَاخِل المُعْتَركِ

لهاثٌ مُستَمرُّ

كَكلْب

يَهتَزُّ حِينَاً لفقْدِ مَنْ أحَبْ

وينَحَني..

ليَدخُل قَبراً يُوَاري أحَدهم التُراب

يُتَمْتِم

ثم تطأ عَلى رُوحِهِ الأيّامُ

ويُخرجُ بَعدَها للدُنيَا لِسَان

نَعَم..

صَارَ في القَلبِ شَرخٌ صَغير

تَنفذُ منهُ الفِكرَة حَثيثاً.

***

أمّا اللّحظَة.. تِلكَ اللّحظَة

من يُدرِكُ بأي حَال تَجيء

في أي حِين تَجيء

“حِينَما تَنسَال الفِكرَةُ مِن مَكمَنِها”

هيهات أن يَلْحظها أَحَد!

فقط.. هي للعَارِفِين

الذينَ يُقَاتِلون النسْيانَ بالتَذْكِرَة

همُ الذينَ تُدرِكُهم الفِكرَة السَاكِنَة

المَوْتُ

تَنْقُرُ عَلَى أبوابِ حِسّهم

يَدِبُّ الوَعي رَأسَه في صُدورِهم

هُمُ المُختَارون بإرَادتِهم

الذينَ أفسَحوا للموتِ حَيزاً في بَاحَةِ الحَيَاة

“فلْيغرِسْها”، يَقُولُون

ويَفعَلون

ولا أحَدَ هُنَاك

كأنّ الصَدَى المُرتد عَالِياً

حِكرٌ عَليهم

وعِندمَا تَنتصرُ الفِكرَةُ تَماماً

وتُحَلّقُ الرُوحُ إلى البَعيد

تَرتَسِمُ ابْتِسَامَة

هي آخِرُ العَهْدْ.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.