محمد الماغوط
اللوحة: الفنان الطاجيكستانيدالر عثمانوف
سأمحو ركبتي بالممحاة، سآكلهما حتى لا أجثو لعصر أو لتيار أو مرحلة.
***
هل يمكن يا حبيبتي أن يقتلني هؤلاء العرب إذا عرفوا في يوم من الأيام، أنني لا أحب إلا الشعر والموسيقى، ولا أتأمل إلا القمر والغيوم الهاربة في كل اتجاه؟
أو أنني كلما استمعت إلى السيمفونية التاسعة لبتهوفن أخرج حافيا إلى الطرقات، وأعانق المارة ودموع الفرح تفيض من عيني؟
أو أنني كلما قرأت “المركب السكران” لرامبو، اندفع لألقي بكل ما على مائدتي من طعام، وما في خزانتي من ثياب، وما في جيوبي من نقود وأوراق ثبوتية من النافذة؟
نعم فكل شيء ممكن ومحتمل ومتوقع من المحيط إلى الخليج.
***
كل منهم يحمل فرشاة في يمينه وسطل الدهان في يساره، ويبدأ بلصق التهمة تلو التهمة على ظهر الذي أمامه، بينما تكون فرشاة الذي وراءه تعمل في ظهره وتلصق عليه ألف تهمة مماثلة. حتى أصبح ظهر المواطن العربي مع مرور الأيام والعهود والمراحل، كواجهة السينما أو لوحة الإعلانات.
***
ومع ذلك، ما ان يغيب أحدنا عن هذا الوطن اسبوعا أو اسبوعين حتى ينام والدموع تغطي وسادته حنينا وشوقا اليه. ما العمل يا سيدي؟ لا أستطيع البقاء فيه دقيقة واحدة، ولا أستطيع الحياة خارجه دقيقة واحدة. هل أقضي بقية حياتي في قاعة الترانزيت؟
***
هذا زمن الاتفاق على كل شيء
ولكنه ليس زماني
فأنا كالخيزران.. أنحني ولا أنكسر.
سأدافع عن حقدي وغضبي ودموعي بالأسنان والمخالب
سأجوع عن كل فقير
وسأسجن عن كل ثائر وأتوسل عن كل مظلوم
وأهرب إلى الجبال عن كل مطارد
وأنام في الشوارع عن كل غريب.
***
لقد أصبح البشر كصناديق البريد المُقفلة، متجاورين ولكن لا أحد يعرف ما في داخل الآخر.
من كتاب “سأخون وطني”