حقيبة

حقيبة

نجوى الرّوح الهمّامي 

اللوحة: الفنان الإنجليزي إدوارد وادزورث

اختارني الشخص الغريب بعناية فائقة، أنا صديقته، شديدة الالتصاق به، سبب سعادته وكآبته. رحلتي هي جزء من رحلته.. يجمع أشياءه بداخلي.. يُحمّلني أكواما من الحنين.. ما من أحد أحنّ علي في رحلة عمري منه؛ يتعسّف أحيانا علي، يغلقني بعنف ولكنّه يضع نفس اليد ليدعو بأن أُكمل رحلته بخير حتى لا تضيع اكوام الحنين بداخلي. 

 قد تختارني يد بعد تفكير أحيانا وعلى حين غرة أحيانا أخرى.. هذه المرّة وقف رفيقي في رحلتي أمامي، جال بعينه يمينا يسارا ثم إلى أعلى، بحث في زوايا المكان رأيته يقلّب صديقاتي.. بالنّظر أحيانا وأحيانا أخرى يسحب إليه إحدى الحقائب كمن يتعرّف إليها باحثا عن تناغم بينه وبينها.

لم يقتنع بأي منها.. نظر إليّ كمن عثر على كنز مفقود، لم تكن تشبهني أي من تلك الحقائب.. مدّ يده كمن يقطف زهرة وركض بي، استسلمت لمصير لا أعرفه، ولرحلة لا أعلم إلى أين ستأخذني.

وأنا أخطو خطواته خرجت عن صمتي وعن كوني حقيبة ملقاة على رفّ إلى كائن له اسم ولون وشكل ووزن.. هذه كينونتي في رحلتي.. لست مجرد حقيبة.. ينبغي أن أكون فريدة وقد كنت كذلك. لامست ظهر الكرسي يبدو أنني داخل سيارة، كنت أشعر بنفسي أكاد أطير، فهمت أن رفيق رحلتي مستعجل، لقد تمزّقت حقيبته في عودته إلى الديار، ألقى بها العاملون دون رحمة، وهو يمضي سنوات عمره بوطن آخر سمعته يسميه غربة.

فتح بطني وعبأ بداخلي أكواما من حنين منها المُرتب ومنها الفوضوي. وفجأة وجدت نفسي، على شريط متحرك، تلقفتني إثرها الأيدي وألقت بي دون رأفة في غياهب الظّلمة. أحسست بألم شديد، وتعالى صراخ الحنين داخلي.

وأنا غارقة في ألمي نزلت على رأسها بكل ثقلها حقيبة، فأحسست بطقطقة في ضلوعي، وتعالى صراخ أكوام الحنين داخلي.

كنت أنتظر أن تنتهي رحلة العذاب هذه، أصبت بدوار أخذني إلى عوالم بعيدة وفقدت الوعي لأفقد معه الشعور بالزمن.

لا أعلم كم وقتا مضى على تحليقي داخل هذه الظّلمة التي تدعى الطائرة. لم أصحو إلا على صوت شديد يصم الآذان إنه احتكاك عجلات الطائرة بأرض الوطن / الغربة. 

تلقفتني بعدها الأيدي من جديد.. لترميني في عربة.. لكن شرخا كان قد أصاب رأسي، ويبدو أن شيئا من الحنين تسرب إلى الخارج.. 

4 آراء على “حقيبة

  1. أشكرك أستاذ على التّعليق ، وهي وجهة نظر صائبة .
    لكن حيثيات كتابة النّص كانت كالتالي
    كتابة مجموعة نصوص ( ضمن مؤلف جماعي ) تحت ثيمات معينة وكان النص تحت عنوان الرّحلة لذلك كان اختياري على كلمة الحقيبة .
    عموما النصوص قابلة دائما للمراجعة والتحيين .
    شكرا لك مرّة أخرى .

    إعجاب

  2. أجدت نجوى
    وتعليق الصديق الأديب حسام في موضعه.. ليتك تكتب رأيك حول القصة باستفاضة ياصديقي حتى نستفيد منها جميعا.

    إعجاب

  3. جميلة هي قصتك ..ضمن ما يُعرف في القصة بتيار ” أنسنة الأشياء ” أو تشيء الإنسان ” كان السرد سلسا وأنيقا ..جاءت الخاتمة مكللة للعمل..
    ولكن ولتسمحي لي ..جاء العنوان فاضحا وكاشفا لمضمون القصة وكم تمنيت لو أنك اخترت عنوانا آخر لا يكشف لنا القصة من قبل القراءة فذلك يفقدها عنصر التشويق..وكذلك ذكر كلمة الحقيبة داخل القصة أكثر من مرة..مثل هذه النوعية من القصص الأفضل للقارئ أن يكتشف ماهية هذا الشيء المؤنسن في نهاية القصة في لحظة الكشف أو لحظة التنوير..وهنا تحدث المفارقة ويضطر القارئ للقراءة مرة أخرى وربما ثالثة ..كنت أفضل أن تستعيضي عن اسمها ب هي ..
    وفي النهاية هي مجرد وجهة نظر من محب للقصة أرجو أن يتسع صدرك اها.
    مع فائق التقدير والاحترام.

    Liked by 1 person

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.