الأمیر خاین بك

الأمیر خاین بك

سعد عبد الرحمن

اللوحة: الفنان السوري محمد الأحمد 

نواصل نشر هذه الحكايات التاريخية من كتاب مخطوط بعنوان (مائة حكاية وحكاية من التاريخ) للكاتب والباحث سعد عبد الرحمن، الذي خصنا مشكوراً بمادته.

لما التقى العسكر المصري بقادة السلطان الأشرف قانصوه الغوري والعسكر التركي بقیادة السلطان سلیم الأول في شھر شعبان من سنة 922 ھجریة بسھل مرج دابق شمال مدینة حلب، اقتتل الفریقان قتالا شدیدا فانكسر العسكر التركي أمام العسكر المصري كسرة مھولة في الجولة الأولى من المعركة، واستولى المصریون على سبعة صناجق (رایات الجیش) من العثمانیین، كما أخذوا المكاحل (المدافع) المحمولة على عجل وأسروا كثیرا من رماة البندق، وھم السلطان سلیم بالھروب أو طلب الأمان، وقد قتل من العسكر التركي في ھذه الجولة أكثر من عشرة آلاف نفر، ولكن شائعة خبیثة مغرضة سرت بین الممالیك القرانصة (القدامى) مفادھا أن السلطان قانصوه الغوري یرید الدفع بھم لیقاتلوا وحدھم من أجل الخلاص منھم، وأن على الممالیك الجلبان (الممالیك الصغار المجلوبین حدیثا) أن یمتنعوا عن القتال ولم یكن ذلك صحیحا، ھذه الشائعة جعلت الممالیك القرانصة وھم المحنكون أصحاب الخبرة في الحرب یتقاعسون عن القتال مما أدى إلى انكسار میمنة الجیش المصري، وفجأة وقعت الخیانة الكبیرة غیر المتوقعة فقد انسحب خایر بك نائب حلب بكل من معھ من الجنود، وھرب فانكسرت میسرة الجیش الأخرى، وكان خایر بك موالسا (متواطئا) مع السلطان العثماني على السلطان قانصوه الغوري في الباطن، وصار السلطان قانصوة بعد انكسار میمنة الجیش ومیسرته وسقوط عدد كبیر من كبار أمراء الممالیك قتلى في المعركة واقفا في القلب (بین المیمنة والمیسرة) تحت الصنجق (رایة السلطان) في نفر قلیل من الممالیك وھو یصیح قائلا “یا أغوات ھذا وقت المروءة، قاتلوا وعلي رضاكم “،فلم یسمع له أحد وصاروا یتسحبون من حوله شیئا فشیئا فالتفت إلى الفقراء والمشایخ وقال لھم “ادعوا إلى لله بالنصر، فھذا وقت الدعاء” ولكنه لم یجد من معین ولا ناصر، وكان ذلك الیوم شدید الحر فانطلق وفي قلبه جمرة نار، وانعقد بین الفریقین غبار لا یرى بعضھم بعضا من كثافته، ولما تحقق السلطان قانصوه الغوري من الھزیمة نزل علیه في الحال خلط فالج (نقطة أو جلطة أحدثت شللا) أبطل شقته (جانب جسمھ) وأرخى حنكه (فمه)، وطلب ماء لیشرب فأتوه به في طاسة من الذھب فشرب منه قلیلا ثم سقط من فوق فرسه على الأرض وما لبث أن أسلم روحه إلى بارئھا.. مات من شدة القھر والحسرة، ومن حین مات قانصوه الغوري لم یعلم له خبر ولم یقف لھ أحد على أثر، و كأن الأرض قد انشقت وابتلعته في الحال.

ولما ملك السلطان سلیم مدینة حلب أرسل في طلب خایر بك نائب حلب الخائن فخلع علیه وصار من جملة أمرائه، وصار یلبس زي التركمان: العمامة المدورة والدلامة (قلنسوة سوداء طویلة)، وقصقص شعر لحیته على طریقتھم زیادة في التشبه بھم، وسماه السلطان سلیم الأول: “خاین بك”.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.