بلا اسم

بلا اسم

ريما إبراهيم حمود

اللوحة: الفنان العراقي جميل حمودي

   أمام عاملة المختبر كنتُ أقفُ واثقةً من النتيجة، فبعد تلك الليلة شعرت بعالم يتكوّرُ في بطني، رأيتُهُ طويلاً أبيضَ الوجه …اقترب مني ،مسح على شعري، وقبّل جبيني، لذا أيقنت أنّه قادم هذه المرة بعد غياب خمس سنين أذاقتني فيها النساء  المرّ و العلقم . 

  طويتُ نتيجة المختبر، وضعتها في جيب الحقيبة الداخلي و أغلقتُ فوقها السحّاب بحرص. 

    دخلتُ بيت العائلة الكبير، وقفتُ في وسط الصالة و أطلقتُ زغرودة طويلة جداً انقطع نفسي بعدها فاحتجتُ إلى كأس ماء بارد ليعيد لي صوتي .

   الْتفت حولي نساء العائلة وعلى وجوههن علامة استفهام كبيرة، وقفتُ بينهن وقلت بثقة :

  • أنا حامل .

    أطلقن جميعا زغرودة طويلة مشتركة بصوت واحد و نفس واحد فارتجّ السقف و فتح الجيران نوافذهم و بدأت الزغاريد تنفلت من كل بيت و تحلّق في سماء حارتنا، حتى شككت حينها أنّ كل النساء حوامل في تلك اللحظة .

   سحبتْ إحداهن كرسيا و أجلستني برفق، شعرتُ برغبة في مدّ قدميّ أمامهن، و شهوة للتدلّل عليهن، طلبتُ من إحداهن طاولة صغيرة أرفعهما فوقها، أسرعتْ و أحضرتْها، رفعتْهما و برفق أراحتْهُما على الطاولة .

   التفتُّ يمينا فوجدتُ في يدي كأس حليب دافئ بيد كبيرة معقوفة على شكل قلب.

  التفتّ يسارا فوجدت في يدي الأخرى منشفة رطبة . 

  تعلقّت عيون النساء على بطني و بدأن يتحسسن بطونهن شوقاً و أملاً . 

   نمتُ لساعة و أنا أريح رأسي المتعب على ظهر الكرسي، استيقظتُ فوجدتُ نفسي في سرير لا أعرفه، و اللحاف يغطي جسدي، و عند قدمي تجلس إحداهن ساهمة .

  في اليوم التالي بدأ بطني بالبروز، خرجتُ إليهن مجتمعات في الصالة الكبيرة، اقتربت منّي سيدة عظيمة الجثة فأجلستني على كرسي متحرك، حركت أصبعها في وجهي آمرة :

  • لا حراك بعد اليوم … الراحة …الراحة …الراحة .

  ابتسمتُ لها و فرح غريب يحتل وجهي.

   وضعت النساء أمامي كل أنواع الطعام التي أعرفها و التي لا أعرفها، و بدأن في إطعامي و تدليلي، مسحن عن وجهي ما لطخته الملعقة الطافحة بالشوربة، و بمناديل رطبة نظفن يديّ، و سرّحن شعري، و ألبسنني ثيابا جديدة، و حذاء رقيقا.

   كبر بطني أكثر، صنعت النساء لي الحلوى، و جلسن يراقبن بطني يكبر، و جنيني يتحرك، و صفقن كلما فعل ذلك، حتى أنّ إحداهن أطلقت صفيراً حاداً متقناً جعلني أشك أنها امرأة .

   تناقشن ليومين محاولات اختيار اسم مناسب للجنين، اللواتي على يميني كن يفضلن الأسماء التاريخية التي لها وقع رنان على الأذن، و اللواتي على يساري كن يفضلن الأسماء الحديثة الخفيفة الراقصة، طلبت منهن محاولة الاتفاق على اسم في أسرع وقت، قبل أن يأتي الطفل فيجد نفسه عارياً من أي اسم، فنقع حينها في حيرة أكبر . 

   لم يتفقن … أزعجنني جدا، أدارت كل جهة منهن ظهرها للأخرى، دلّلتْ كل جهة ما يقابلها من جسدي فقط، مسحت كل جهة على بطني من ناحيتها، أربكني ما يحدث حين همست لي إحداهن بعد أن نمن جميعا:

  • سيقترحن اسمين للطفل .
  • ماذا؟
  • سيكون له اسمان .

صعقتُ، تظاهرتُ بالنوم، حتى وضعنني في السرير، ثم وضعن فوقي لحافين ، و تحت رأسي وسادتين .

   كيف سيكون لطفلي اسمان ؟ 

   في صباح اليوم التالي، و بعد أن نمتُ طويلاً، استيقظتُ فوجدتهن يقفن فوق رأسي، و بيد كل واحدة منهن عصا و مكنسة، و على رقبة كل واحدة منشفة رطبة، قمت من السرير،وقفتُ، كان بطني عظيماً ثقيلاً و الجنين يركل حتى آلمني.

  لم تناولني أي منهن كرسياً، ولا كأس الحليب الصباحي، تركنني واقفة.

 تقدمت إحداهن مني:

  • ماذا قررت؟ 
  • ماذا تقصدين ؟
  • اسم الطفل ماذا سيكون ؟
  • للبنت … و للولد…
  • لا 

تقدمتْ السيدة عظيمة الجثة عن يميني :

  • قلنا لا … هذا اسم تاريخي عفا عليه الزمن .

دنت أخرى نحيلة عن يساري:

  • وليس باسم حديث يناسب وقتنا . 

  رفعت الأولى عصاها في وجه الثانية، رفعن المكانس و العصي أمام بعضهن و اشتبكن في قتال تعالت فيه أصواتهن الرفيعة،  صرخاتهن الموجوعة، عند قدميّ وقعت أكثر من امرأة جريحة.  

   فجأة داهمني ألم فظيع، فصرختُ حتى شقّتْ صرختي فضاء المكان، التفتن جميعا إلي في حركة موحدة، ثم عدن للقتال.

   شعرت بحرارة سائل يمشي على قدمي حتى الأرض، رفعت ثوبي قليلا فرأيت سائلا أحمر لزجاً ينفجر تحتي، ليملأ الأرض تحت أقدامهن، وهن يتخبطن فيه محدثات فوضى عجيبة من اللون الأحمر الذي لطخ كل شيء.

  انتظرت أن يخرج الطفل إلينا، لم يفعل، مددت يدي لأشده لم أجده، هززت بطني الذي أخذ بالانكماش فتمايل معي خفيفا كبالون، سحبتُ إحداهن من أرض المعركة، طلبتُ منها أن تبحث عنه، هزت رأسها متعجبة:

  • أبحث عن من ؟ 
  • الطفل .
  • أي طفل؟ 
  • طفلي .

أشرتُ إلى بطني، نظرتْ إليّ بازدراء، و عادتْ للقتال. 

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.