طوبى للصغار

طوبى للصغار

وليد الزوكاني

اللوحة: الفنان الإسباني خوان ميرو

يلثمون ثدي الضوء 

أبيض أبيض خاطرهم كنوم إله. 

ثمة نجمة تشعّ في رؤوسهم، 

تَنْسلُهم من آخر النعس،

يلمسون الأفق وهم في مهادهم 

يقطعون الأرض كل يوم على أحصنة الحليب. 

حين نقترب يلبسون حواسّهم، 

يربتون بها على وجوهنا وهي تجهد لمناغاتهم، 

نتركهم، فيخلعونها.

يصعدون الفضاءات المطوية في صدورهم 

إلى عوالمهم الحقيقية 

ليسمعوا شهيقَ البراعم التي يلمسها الهواء أول مرة، 

والشجرَ الذي يمُصُّ أصابعه غبطةً.

لا نعرف ما الذي يمر في نومهم، 

لكنهم يضحكون، 

وحين تهبط السماء لتَعُدَّ على أصابعهم 

النجومَ التي توشك أن تلمع في قلبها، 

يمدون أيديهم.

على رؤوس أصابعنا، 

من زوايا الصمت الهشّة نطل عليهم، 

وحيدين، 

لم تعد الحياة تركض فينا، 

مثل أم شاخت تجلس القرفصاء، 

وتغزل بكسل خيط السأم بانتظار البيت.

الصغار مسرعون.. مسرعون 

ونحن في معاطفنا سلاحف عملاقة،

يطلون من ثقوب مرحهم

يأخذون بيدنا: تعالوا 

نجعّد لهم وجوهنا، نمد ألسنتنا، 

نمط أعيننا دُعابة

يضحكون: يا للكائنات أسيرة الواجب!

يعبرون آمالنا

في أقدامهم مياه البدء 

الروح ترف، يمدون يدهم

لا يعبأون بالكلام، 

اللغة مقفرة مثل أسرتنا، 

ضيقة مثل خُزننا التي نخبئ فيها سلاسل أعمارنا الصغيرة الباهتة:

مقص الأظافر، 

ملقط الشعر، 

ألبوم صور لئلا تتساقط الذكريات، 

بعض الحليّ، 

قارورة الرغبات الميتة، 

رسالة غرام وقعت كلماتها في الأذية، 

سلاح صغير لنقتل الموت!  

يقهقه الصغار: 

الموت.. الموت.

يتركوننا ويذهبون، 

مثل أحلام جميلة تزيح الستائر وتذوب في الضوء، 

تحت السماء ينكشفون رجلا واحداً، 

رجلاً كبيراً 

يتلفع صمته ويمضي. 

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.