سعد عبد الرحمن
اللوحة: الفنان السوري محمد الأحمد
نواصل نشر هذه الحكايات التاريخية من كتاب مخطوط بعنوان (مائة حكاية وحكاية من التاريخ) للكاتب والباحث سعد عبد الرحمن، الذي خصنا مشكوراً بمادته.
وقع في ذي الحجة سنة 783 ھجریة إبان سلطنة الصالح أمیر حاج حاجي بن الأشرف شعبان بن قلاوون من الحوادث: أن أحد تجار قیساریة جھركس (قیساریة أنشأھا الأمیر جھركس الخلیلي الذي ینسب إليه خان الخليلي) يعرف بابن القماح نصب على صاحب القیساریة وھو رجل نصراني اسمه صدقة بأن أوھمه أن
البئر التي بقیساریته فیھا كنز، وأنه یستطیع استخراجه ولأن صدقة كان رجلا طماعا فقد سال لعابه وصدق كلام ابن القماح، وفي اللیل بعد أن أغلقت كل دكاكین القیساریة وذھب التجار إلى بیوتھم جاء ابن القماح إلى القیساریة مصطحبا معه ولده ورجلا آخر یعمل أقفالیا (یصلح الأقفال)، ثم إن ابن القماح قاللصدقة صاحب القیساریة “امض أنت ودعني مع ھذین حتى نقرأ العزائم على البئر، ونبخر حولھا”، فلما مضى صدقة قام ابن القماح بفتح دكاكین التجار التي بالقیساریة مستعینا بالأقفالي، وسرق ھو وابنه والأقفالي من القماش ما تزید قیمته على عشرة آلاف دینار ثم ھربوا، فلما أصبح الناس وجدوا القیساریة مفتحةالدكاكین ولم یبق بھا من القماش شيء، فارتجت القاھرة لذلك وحضر الوالي وكان التجار في غایة النكد والحسرة على أموالھم وتجمھر الناس من أھل الربع الذي یعلو القیساریة فأخذ الوالي یستجوبھم عما حدث باللیل فقالت امرأة “قد رأینا اللیلة ابن القماح وكان معه رجلان أحدھما ولده”، ثم إن التجار طلعوا إلىالأتابكي برقوق وأخبروه بالواقعة فغضب غضبا شدیدا على الوالي وألزمه بإحضار ابن القماح وولده والأقفالي، فذھب الوالي یفتش عنھم ویسأل الناس حتى دله احدھم على موضع اختبائھم فركب إلیھم وأحاط بالبیت الذي لجأوا إلیه، فلما احس ابن القماح بأن حوصر صعد إلى سطح البیت یرید النجاة بالھروب إلىسطح أحد البیوت المجاورة إلا أن رجله زلت فسقط من فوق السطح على الأرض وانكسرت فخذه، وقبض جند الوالي علیه كما قبضوا على معاونیه، ولحسن الحظ فإن القماش الذي كانوا قد نھبوه من الدكاكین وجد في البیت بأكمله لم یفقد منه شيء، وطلع الوالي باللصوص إلى القلعة عند الأتابكي برقوق وكانتالطبلخاناة (فرقة الموسیقى العسكریة) والمغاني (المغنیات) تزفھم وقد تجمھر حولھم العوام یشتمونھم ویرجمونھم بالطوب، وأیدیھم وأرجلھم مصفدة في الحدید، فكان لھم یوم مشھود.
ثم أخذ التجار أقمشتھم المنھوبة بالتمام والكمال، ورسم (أمر) الأتابكي برقوق بأن یتسلم الوالي الرجال الثلاثة لیعاقبھم أجمعین، فسجنھم الوالي بخزانة شمایل (من أبشع سجون العصر المملوكي وموقعه كان بجوار باب زویلة) بعد أن عذبھم بأنواع العذاب الألیم، وبسبب ھذه الواقعة ألزم الوالي عریف القیساریة بألایسكن فیھا بعد ذلك أحد من التجار إلا بضمان، وصار یخوف التجار بفعلة ابن القماح.