الموظف المختص

الموظف المختص

أحمد دسوقي مرسي

اللوحة: الفنان الإسباني بابلو بيكاسو

تقدمت بخطى ثابتة، وعلقتُ على فمى ابتسامة ودودة وقلت بصوت رقيق: 

  • صباح الخير يا افندم.. سيادتك الاستاذ ابراهيم جمعه؟ 

فنظر الى الرجل من خلف مكتبه، بوجه كالح، وعينين عابستين، وقال بصوت اجش: 

  • نعم انا هو الاستاذ ابراهيم 
  • اهلا يا افندم.. والله اذا سمحت توقع سيادتك هنا 
  • واشرت الى مكان التوقيع، ومددت اليه يدى بالطلب وبكسل شديد راح يقرأ بهمهمة مرتفعة، راحت فيها الكلمات تتشابك بأصوات لا معنى لها حتى اتى عليه فى لحظات ثم القى به على المكتب ، فتزحلق الطلب على سطحه، حتى وصل الى مهرولا 
  • عند الاستاذ “سعيد حسونه”.. انا غير مختص بالتوقيع على هذه الطلبات فابتسمت فى صبر شديد، وانا اضغط على اعصابى التى تكاد تنفلت 
  • متشكر يا افندم.. ولكن اين اجد سعيد افندى من فضلك؟
  • فى الغرفة التى بجوارنا عن اليمين
  • متشكر..
  • ولم يرد تحيتى، ودخلت الغرفة المجاورة، وسألت موظفا انيق الثياب خيل الى انه سيهدينى سواء السبيل 
  • صباح الخير يا افندم.. اين اجد الاستاذ سعيد حسونه؟

واشار الشاب الى ركن قصى قبع فيه رجل هائل الجرم بوجه اسمر جاد اتجهت اليه من فورى 

  • الاستاذ سعيد يا افندم 
  • نعم..
  • والله اذا سمحت توقع لى من فضلك على هذا الطلب 

وابتسمت حتى تجذبه ابتسامتى، ومددت يدى اليه بالطلب فمد يدا غليظة وامسك به وراح يقراه كلمة.. كلمة فى هدوء اثارنى.. ثم القاه على المكتب، والتفت الى يمينه ورفع صوته قائلا: 

  • ولكن الا تعرف اين نقل يا سيد افندى؟

و تملكنى غيظ عارم، سرى فى عروقى نارا كاوية.. لقد كان يوجه سؤاله الى زميله الذى يجاوره فـــــــرد عليه (سيد افندى) هذا وكان رجلا اشيب الشعر: 

  • سمعت انه نقل الى الفيوم، مع ان عائلته كلها تسكن هنا كما تعلم 
  • صدقنى “يا سيد افندى” افعاله هى السبب..

يعنى اذا كان احنى الراس قليلا وتغاضى قليلا.. لربما حصل على حقه و زيادة 

فقلت له وأنا اتميز غيظا:

  • لمؤاخذة.. الطلب يا افندم 

فقال لى بصوت هادىء، غير مبال:

  • تعرف فوق؟ 

واشار بسبابته الى اعلى.. فقلت فى نفسى، والدماء تلهب راسى: “يا حشرة سامة على مكتب الوزارة”.

وابتسمت فى اسى و انا ابتلع غضبى:

  • طبعا.
  • اذن على فوق.. وقابل “مسعود المستكاوى” فهو المختص بمثل هذه الطلبات 

وكرهت الرجل من اعماقى وكأن كراهيته نبتت فى قلبى منذ زمن بعيد، ولعنته الف لعنة فى نفسى..

ولم اشا ان أسأله عن غرفة هذا المسعود المستكاوى المختص بهذه الطلبات التى على شاكلة طلبى التعيس.

وسألت فراشا فى الردهة يجلس على كرسى فى استرخاء والنوم يكاد يداعب جفنيه 

  • السلام عليكم يا حاج.. والله اذا سمحت.. اين مكتب الاستاذ “مسعود المستكاوى”؟ 

واشار الرجل الى غرفة تقع عن يساره.. ودخلت.. فوجدت رجلا نظرت اليه فتوسمت فيه الطيبة.. فتوجهت اليه وسالته عن الاستاذ “مسعود المستكاوى” فقال لى وهو يضحك: 

  • خرج منذ خمس دقائق.

واستانف حديثه مع زميله وكأنه لا يرانى فانسحبت اخرج فى هدوء اتفرس فى وجوه الرجال الذين يذهبون ويجيئون والذين يدخلون الغرفة.. عل من بينهم هذا “المسعود المستكاوى” المختص بتوقيع الطلبات، والذى سيحل بحضوره ازمتى المستعصية وسألت ساعيا خرج من مكتب قريب وكان يحمل اوراقا كثيرة فى يمناه.

  • اذا سمحت و الله يا حاج اين اجد الاستاذ “مسعود المستكاوى” من فضلك؟

فقال الرجل.. بابتسامة طيبة، رقيقة لاول مرة القاها منذ هذا الصباح:

  • تعال 

وأمسك بيدى، ودخل بى المكتب الذى غادرته منذ دقائق وقال بصوت مرتفع رزين:

  • يا استاذ مسعود.. كلم سيادتك 

و التفت الرجل الى شخصى، فاذا هو ذلك الموظف الذى اخبرنى منذ قليل بخروج “مسعود المستكاوى”.. وهو يضحك.. فنظرت اليه مصعوقا، والغضب الحبيس يكوينى وقلت فى تملق: 

  • لابد ان تكون مشغولا سيادتك.. انا عارف.. انكم تعانون من ارهاق العمل.. وانا فى الحقيقة اعذركم 

ولكنه لم يتكلم ولم يعلق على نفاقى المصنوع ومد يده المعروقة وامسك بطلبى ثم اعطاه لى بعد لحظات.. وقال لى بصوت غاضب:

  • اذهب الى الاستاذ “ابراهيم جمعه” فى الدور التحتانى فهو المختص بتوقيع هذه الطلبات. 

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.