تربص

تربص

مصطفى البلكي

اللوحة: الفنان السوري إسماعيل أبو ترابه

أحسسنا بالرجفة تجتاح أوصالنا، وتفكك مفاصلنا، فلعنّا المناوبة وأيامها، وبدون أن ندري تداخلت أجسادنا، وأصبحنا كتلة واحدة، نقدم قدماً ونؤخر أخرى، قال أحدنا: ملعون اليوم الذي زُرع في قلوبنا كشوك الشعبيط أينما تقلبنا التصق، على الفور عس أحدنا جيبه وأخرج مدية، نفضها، فلفظت لسانها، حاداً، براقاً، وقال وهو يحارب بها عدواً مجهولاً: 

ـ سأقتله إذا خرج.

رؤية المدية، أنهضت بداخلنا بصيصاً من شجاعة، وبدت لنا الشجرة عن بعد أمام البيت المهجور واضحة، ضخمة، هائلة بفروعها المفروشة على البيت.. 

في يوم قائظ، كنت معهم، أروي قطعة من لحم الطريق بعد أن قسمتها إلى أحواض، والأحواض نظمتها إلى خطوط، كنا نقلده، وهو على بعد مرمي حجر منا، يمسك بفأسه وجسده عرضة لشمس قداحة، لا تحميه إلا فانلّة بنصف كم، تحبس بداخلها جذعه الضخم، وتتيح لشعر صدره الكث بالنفور والظهور كأنه شوك شجرة النبق التي كنا تحتها. كنا نقلده حينما كان ينصب ظهره ليستريح، ويرفع وجهه جهة الشمس ويمد يده ويجفف عرق جبينه، لم يستمر الحال على هذا الشكل، فقد دخل المشهد شاب على ظهر مهرة سوداء، اخترق بها قطعتي المسكونة بالماء، ركضت، فتناثر الطين على جسدي، وزعقت في الشاب “حاسب” التفت وصب عليّ ناراً لمحتها في وجهه، فأشرت إلى التشوّة الحادث في أرضي المقتطعة من لحم الطريق المترب، وقلت بنبرة غيظ “كده”.. لوى عنقه نحوي، ونفخ غضبه، ونغز جنبي المهرة، فانطلقت كالريح في اتجاه الرجل الذي انتبه، فضرب الفأس ولم يجبدها، فارداً ظهره يتحقق من هوية القادم، وقفة لم تستمر كثيراً، قطعها ومال على فأسه، لينتزعها من جوف الأرض، فعاجله الشاب بطلقة من مسدسه، دوي الرصاصة جعلنا نتراجع بأجسادنا، ونلتصق بجذع الشجرة ونراقبه وهو يتحامل ليهرب من الفوهة المصوبة إلى جسده للمرة الثانية. 

لحظات وكان جسده فوق خطوط قطعتي، منكفئاً على وجهه، ورعشة تكلبش بجسده سرعان ما سحب نفساً مصحوباً بشهقة، وسكن بعدها، قال الناس إنه دين قديم.. وفي اليوم الثاني لمقتل الرجل، تطوع بعض الناس بطبخ كميات من العدس، تم دلقه مكان دمه المراق، وضح أحدنا وقال “يحرقون صاروخه قبل أن يكبر”.

الخطوات تقربنا من الشجرة، الواصل إلينا من جوفها صوت خربشات الطير الساكن هناك، والمدية كما هي تمسك بها يد أحدنا، تلمع في ظلمة خفيفة. 

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.