أمل بشير
اللوحة: الفنانة المصرية رنا حمدان
ما أجمل صوت عصفور الحب هذا..
هكذا حدثت نفسها وهي تجلس على كرسيها الهزاز تتأمل زهور الفل والقرنفل الملون الذي قامت بزراعته بنفسها وتقرأ كتابا.
استنشقت عطر الزهور؛ فملأت انفها وانستها كل ما سواها من روائح مسحت من ذاكرتها روائح الموت وعنابر المستشفى ما بين رائحة الدم وروائح المعقمات التي تستخدم للتنظيف.
قامت من كرسيها ولمست وردة القرنفل حمراء اللون لتشعر بملمسها المخملي فنسيت ملمس القفازات المطاطية التي تضطر ان ترتديها طوال اليوم. ورغم أنها لم تحب اللون الأحمر يوما فقد غمرها لون تلك الزهرة بإحساس حرك كل شعرة من رأسها.
لفت انتباهها انعكاس أشعة الشمس على قطرة ندى فانكسر الضوء ليصنع رقصة قوس قزح وكأنه راقصة ترقص بتنورة ملونة، خيل لها انها تسمع أصوات الموسيقى تعزف، وجدت نفسها ترقص مأخوذة بأنغامها، احست كأنها تطير في سماء استعارت من المحيطات زرقتها واحتفظت ببريق نجوم الليل، كلؤلؤة أبهرت صيادها، حيث خبأت كل البريق في صدفة، وانتظرت ذاك الصياد ليأتي فينتشلها.
رقصت بحرية وبلا قيود حتى انفكت خصلات شعرها، لتشعر بها على وجهها وعنقها، فأعادتها لأيام كانت تتركه مسدلا فيها. فقد اعتادت منذ سنوات أن ترفع شعرها تسريحة واحدة نسيت معها أن للنسيم حق في أن يداعب تلك الخصلات، ويشتم رائحتها بنشوة. كانت تبتسم وهي تبعد الخصلات المشاكسة. كانت تشعر بسحر غريب يدفعها لتدندن لحنا لطالما دندنته ولكنها لا تذكر متى كانت آخر مرة فعلت ذلك، حتى ظنت انها قد نسيته.
حطت فراشة رائعة الجمال على كتفها فتوقفت عن الحراك حتى لا تفزعها فتطير.. تأملتها بطرف عينها وهي تحاول كتم صوت انبهارها بجمالها. كانت ملونة بألوان ما عرفت لها اسما كأنها اول مرة ترى فراشة.. لربما هي الأولى حقا فهي لم تنظر لأي فراشة عن كثب من قبل لترى تلك التموجات المتداخلة بألوانها المبدعة بتصميم لا يمكن لنساج أو حتى ريشة فنان أن تصنعه. فكأن جناحيها وشاح من حرير ابدع صانعه.. للحظة أحست أن الفراشة قد اطمأنت لها وكأنها تنظر إليها وتحاول أن تخاطبها. بحركة لا شعورية مدت يدها فتحركت الفراشة لتستقر على كفها، قربت يدها من وجهها وحدقت فيها.. كانت الفراشة تنظر إليها كأنها تلقي التحية.. قبل أن ترفرف بأجنحتها وتبتعد.
لم تدر كم من الوقت مر وهي تكتشف تلك الحديقة بشرفة غرفتها، نفس الحديقة التي كانت موجودة طوال سنوات نسيت عددها. نفس الحديقة التي كانت تراها يوميا كلما دخلت غرفتها ورفعت الستائر عن الشرفة.. فقط هي لم تنظر إليها لتراها رغم أنها كانت دوما هنا بانتظارها لتأخذها في رحلة على قطار السعادة، لتعزف لها لحنا تتمايل على انغامه.
ابتسمت وهي تغلق ستائر الشرفة وتلقي نظرة أخيرة تحملها وعدا بأنها منذ اليوم قد عقدت عقد صداقة بينهما وعدا بأن تعود في كل يوم لتكمل اللحن.