د. محمد سعيد شحاتة
اللوحة: الفنان الفلسطيني خالد شاهين
مهاد:
إن الحديث عن المدينة في الشعر العربي قديم قدم الشعر نفسه، وقد كان الشاعر القديم يرى في المدينة غربة شديدة، ويحنُّ دائما إلى مسقط رأسه، ومرتع صباه، وقد كانت السمة الغالبة على الشعر الرافض للمدينة هي الإحساس بالغربة وعدم التأقلم مع العيش في المدينة، ولكنه ليس رفضا للمدينة/المكان في حد ذاته بقدر ما هو حنين إلى الأهل والأحباب الذين صاحبوا الشاعر في طفولته، وشكَّلوا مخزونه من الذكريات، فالمدينة في هذه الحالة لم تستطع أن تجعل مكوناتها الصامتة كيانا ناطقا بالحيوية والحركة، ومختزلا ذكريات للشاعر، وهو ما عبَّر عنه الشاعر القديم بقوله:
كفى حزنــا أني ببغــداد نازل وقلبي بأكناف الحجاز رهينُ
إذا عنَّ ذكر للحجاز استفزني إلى مَنْ بأكناف الحجاز حنينُ
ولكن ليس معنى ذلك أن الشعور بالاغتراب في المدينة كان حال الشعراء جميعا، ولكننا وجدنا كثيرا من الشعراء يرون في المدينة زخما يفوق ما كان يحلم به، ومن هؤلاء أبو نواس وغيره من الشعراء القدماء في كثير من نصوصهم، على أننا ينبغي أن ننتبه إلى أن المدينة في الشعر القديم، وحتى منتصف القرن العشرين لم تكن محملة بالهمِّ الوجودي للشاعر، وانهيار أحلامه، وتفجير أحزانه واستدعاء كل معاني الفقد والضياع والحرمان والاغتراب، بمعنى أن المدينة لم تكن محمَّلة بالمعاني الفلسفية والأبعاد الوجودية، والحنين كان حنينا إلى مرتع الصبا والأهل والأحباب، ولابد هنا أن نشير إلى نموذجين من نماذج توظيف المدينة في الشعر الحديث، الأول في ديوان أحمد عبد المعطي حجازي (مدينة بلا قلب) والثاني في ديوان محمد إبراهيم أبو سنة (تأملات في المدن الحجرية) حيث أخذت المدينة شكلا آخر غير المتعارف عليه في الشعر الكلاسيكي، وليس من همِّ هذه الدراسة الوقوف أمام توظيف المدينة في الشعر العربي الحديث بقدر ما تهتم بالإشارة فقط إلى أن المدينة أخذت بعدا وجوديا وفلسفيا استطاع الشاعر من خلاله التعبير عن التغيرات الاجتماعية والفكرية في مسيرة الإنسان، وما حكم المسيرة الإنسانية من قيم فكرية وانحيازات أخلاقية، وتغيرات اجتماعية ظهرت كلها في توظيف الشاعر للمدينة ببعديْها المكاني والفلسفي.
عتبة الولوج:
إن الملاحظ في قصيدة «أن تكون في العاصمة» لعيد صالح أن العنوان يتكون من جملة اسمية حذف خبرها وجاء المبتدأ مصدرا مؤولا (أن تكون) مبدوءا بأن المصدرية، ومعناه (كونك في العاصمة) ليترك لنا الشاعر استنتاج الخبر الذي هو تكملة للمبتدأ من حيث المعنى، وهو/الخبر كذلك حكم على المبتدأ من حيث التكييف النحوي، وهذا يعني أن الشاعر قصد إلى تقديم نصف الجملة وترك القصيدة – ومعها المتلقي – تتولى تكملة النصف الآخر، وهنا يصبح العنوان والقصيدة كجناحيْ الطائر يحلق بهما الإبداع، فلا يمكن التخلي عن أي منهما، وبذلك لم يعد العنوان مفتاحا تأويليا فقط، بل أصبح جزءا لا يتجزأ من النص بحيث يشكل حذفه انتقاصا للمعنى وبترا للدلالة، ومع تلاقي هذين الجانبين/العنوان والنص تتشكَّل مرآة رؤية المتلقي لحركة المعنى؛ ليكتشف ماذا يعني كونه/المتلقي في العاصمة من وجهة نظر الشاعر/النص الذي يقدم خلاصة تجربته الطويلة والعميقة والمتأملة لحياة العاصمة وأهلها، ولكن يتبادر إلى الذهن سؤالٌ مؤداه: لمن يوجِّه الشاعر/النص حديثه؟ لندخل بذلك في اشتباك فكري عميق يحمله الخط السردي في القصيدة الذي يمتد صعودا وهبوطا؛ لينسج خيوط القصيدة بإتقان متموِّجا أحيانا؛ كي يخفي انشطارات الروح المبدعة وسط هذا الكم الهائل من الضجيج العالي الصوت والأجوف، ومتماهيا أحيانا مع فكر تشكَّل عبر سنوات طويلة أن الرحلة من الهامش إلى المتن هي رحلة من الوجود إلى العدم، أو من اليقين إلى التوهم، ومتكئا أحيانا ثالثة على مجموعة من العلامات الركائز التي تعيد للرؤية توازنها، وللنفس اتزانها. لقد كان الشاعر مدركا تماما أن العنوان جزء من النص، وليس فقط مجردَ هادٍ يهدي المتلقي في دروب القراءة، وتضاريس الشعاب والأودية التي تشكل جسد القصيدة كما يتلقَّاها الفهم الواعي، والقراءة المتأملة في محراب النص، ومن ثم كان لجوء الشاعر إلى هذا الاختيار الواعي للعنوان إشارة إلى ضرورة الانتباه بأن العنوان نصف الدلالة والقصيدة النصف الثاني انطلاقا من كون الجملة اسمية يشكل العنوان – المصدر المؤول – مبتدأها والنص خبرها.
وإذا كان المصدر المؤوّل – العنوان – هو التّركيب النّاتج من حرف مصدري ويليه جملة فعليّة، ويدلّ على معنى مجرّد ومقيّد بزمن الفعل فإننا هنا أمام اختيار واع للعنوان، ودالٍّ في الوقت نفسه؛ فاستخدام الفعل المضارع في العنوان دالٌّ على التجدد والاستمرار وكأن حالات النزوح إلى العاصمة متجددة ومستمرة رغم ما يعانيه معظم هؤلاء النازحين من أشكال متعددة من القهر والضياع، والتيه في الدروب الفكرية الغامضة والمتنوعة للعاصمة، وما يعانيه بعضهم من تهميش لمنتجهم الإبداعي رغم إدهاشه وجِدَّته، ولكن العاصمة لا تعترف في معظم الأحيان بذلك؛ فهي لها مقاييسها الخاصة، ثم استخدام الجار والمجرور – في العاصمة- المتعلق بالفعل الدال على الانغماس في حياة العاصمة بكل تناقضاتها وانحيازاتها الفكرية والجمالية، وضجيجها الإعلامي والفكري على العكس من حياة الهوامش المتكئة على الهدوء والتفكير المتزن والعلاقات الفكرية الواضحة والمترابطة. إن العنوان يحمل دلالة التنوع والتجدد والاستمرار. وقد ذهب بعض البلاغيين إلى أن التعبير بالمصدر المؤول أقوى من جهة الدلالة المعنوية، وفسَّروا بذلك قوله تعالى (وأن تصوموا خير لكم) وغيرها من الآيات الوارد فيها المصدر المؤول، فقالوا: “المصدر المؤول من (أن) وما دخلت عليه أقوى من جهة الدلالة المعنوية كما في قوله تعالى(وأن تصوموا خير لكم) فهو أدعى إلى استحضار معنى الصوم، فينكفُّ الصائم بذلك عما يبطل الصيام أو يخدشه، فذلك أبلغ من قولك في غير القرآن: صيامكم خير لكم”، وإذا أخذنا بذلك فإن التعبير بالمصدر المؤول في العنوان هو أبلغ في الدلالة عن المراد من التعبير بالمصدر الصريح، وهو أدعى إلى استحضار معنى الوجود في العاصمة بكل تداعياته، ما يحمله ذلك من دلالات ونتائج، فإذا أضفنا إلى ذلك ما قاله النحويون أمثال سيبويه، وأجازه ابن جني من أن المصدر المؤول يكون معرفة تتكشف الدلالة أكثر، فالإقامة في العاصمة نتائجها معروفة، وما يتحدث عنه النص لا يخفى على أحد، بل هو ظاهر للعيان في كل شيء، ومن ثم فإن العنوان هنا يحتوي على دلالات متعددة، فهو دال على التجدد والاستمرار من خلال استخدام الفعل المضارع، وهو دال على المعرفة؛ لأن المصدر المؤول معرفة بحكم استخدامه للضمير المستتر في الفعل (تكون) وهو كذلك أقوى في الدلالة المعنوية من المصدر الصريح.
حركة المعنى وإنتاج الدلالة
إن المتأمل في القصيدة وحركة المعنى فيها، وتموجات الدلالة المتخفية وراء شبكة العلاقات اللغوية يكتشف أنه يمكن تقسيم القصيدة إلى أربعة مقاطع تمثل حركة المعنى عبر محطات أربعة، ويعبر كل مقطع عن ملمح من ملامح حركة المعنى في سيرها من المنبع/مطلع القصيدة متجهة إلى المصبِّ/خاتمة القصيدة؛ لتعبر بذلك عن حركة الفكر المتموِّجة في اللاشعور الإبداعي لحظة تشكُّل النص.
– 1 –
لا أحد يسأل من أين هبطت
فقط
أنت هنا والآن
يمثل المقطع الأول على قصره المدخل الرئيس لمعنى النص الكلي، وهو يمثل تكملة لمعنى العنوان، والتقدير (أن تكون في العاصمة لا أحد يسأل من أين هبطتَ.. فقط أنتَ هنا والآن) يشير المقطع إلى أن الأسئلة المحددة للمكان لا وجود لها؛ لأنه يعتبر أن سكان المدينة في الأصل وافدون عليها، وأن المدينة خليط من الأماكن المختلفة، ومن ثم فإن السؤال عن المكان الآتي منه من يهبط المدينة سؤالٌ عبثي، وقد تشكلت الجملة – لا أحد يسأل – من حيث البنية النحوية من جملة اسمية منفية باستخدام (لا) النافية للجنس، وهي التي عرَّفها النحاة بأنها التي يُقْصَدُ بها التنصيص على استغراق النفي للجنس كله، وهذا يقودنا إلى البنية المضمونية للجملة، إذ تشتمل على عنصرين (أحد) و (يسأل)، والنفي هنا ليس متوجِّها إلى السؤال، ولكنه متوجِّه لمن يسأل (لا أحد) أي أن السؤال في حد ذاته مشروع؛ للتعرف على المكان الذي جاء منه الشخص الهابط إلى المدينة/العاصمة من أجل تشكيل تصوُّر عام عن نشأته والعناصر المشكِّلة لشخصيته، والمؤثرة في تكوينه النفسي والفكري والإبداعي، ومن ثم انحيازاته الفكرية والجمالية؛ فكل ذلك يختزله المكان إذا نظرنا إلى مكوناته وقضاياه المؤثرة في المقيمين فيه، ولكن لا يوجد أحد يهتم بالسؤال؛ لأنه لا يوجد أحد يهتم بالتكوين الفكري والانحياز الجمالي، أو القضايا التي يمكن أن تكون مؤثرة في إبداع الشخص، أو تحتل مكانا مركزيا في تفكيره، فلا أحد يهتم بذلك، ولذلك عبَّر الشاعر بقوله (أنت هنا والآن) إن هذا التعبير يختزل في داخله البنية العميقة لفكر المدينة وانشغالاتها، وما يمكن أن يؤثر في أفرادها، ويوجِّه خياراتهم المختلفة، وقد عبَّر الشاعر بقوله (فقط) وهي كلمة مكونة من الفاء وقطّ بمعنى فحسب، وهي عادة تقترن بالعدد حَتَّى لا يُزَاد عليه فتكون بمعنى لا غير، وكأن الشاعر يريد القول بأن الاهتمام بكونك موجودا في المدينة ولا شيء غير ذلك، فكونك أصبحت في المدينة هو التحقق الفعلي، وكل شيء غير ذلك لا وجود له في ذهن الإنسان؛ لأن المدينة ستمحو كل وجود قبلها، وسوف تشكِّل وجودها الخاص بكل ملامحه وانحيازاته المتنوِّعة في ذهن أهلها المتواجدين فيها، ومن ثم فإن هذا المقطع على بساطته يبدو مختزلا داخله البنية الفكرية العميقة لعقل المدينة وأهلها.
– 2 –
دع أسمالك
وطوِّح بكل ما جئت به
كقروي ساذج
وجنوبي يشمخ بلهجته
ويستدفئ بموهبته
سيصطادونك منبهرين
ويصنعونك على أيديهم
لتكون ابن العاصمة
الذي لا يشق له غبار حكاية
أو تتصدع له جدران قصيدة
ثم يأتي المقطع الثاني ليشكل زاوية مهمة من زوايا الرؤية التي تتمحور حولها الدلالة، ويبدأ المقطع بفعل الأمر (دع) بمعنى اترك، وهذا الفعل تحديدا له مخزون خاص في الذاكرة الإبداعية؛ إذ إنه استخدم في الحديث عندما كان الشاعر القديم ينتقل من الحديث عن الأطلال إلى المديح، أي ينتقل من غرض شعري إلى غرض شعري آخر يمثل حلقة منفصلة تماما فكريا ووجدانيا، فالحلقة الأولى تتحدث عن جانب نفسي عزيز على الشاعر/المحبوبة وأطلالها، وله مكانة في النفس؛ إذ يذكره بالحبيبة وأيام الصبا والأهل والأصدقاء والأحباب، ولكنه ينتقل إلى غرض شعري آخر يمثله الواقع الذي ينبغي أن يجاري فيه الشاعر الحياة بكل تقلباتها فيمدح من قد لا يستحق المدح أحيانا طلبا للنوال المادي الذي يقتات عليه، ويقيم أوده، ويمكن مراجعة ذلك عند كل من زهير بن أبي سلمى وسلامة بن جندل وعنترة بن شداد من العصر الجاهلي، وعند العباس بن مرداس والقتَّال الكلابي وأوس بن حجر وحسان بن ثابت وخداش العامري من الشعراء المخضرمين، وعند أبي دهبل الجمحي والأخطل والحارث المخزومي والفرزدق وذي الرمة وغيرهم كثير من العصر الأموي، وتتوالي أسماء الشعراء؛ فهو إذن يمثل نمطا عاما، فإذا أخذنا بهذا التأويل فإننا نرى أن استخدام لفظ (دع) يحيلنا إلى مرحلتين فاصلتين في حياة الإنسان الذي يهبط العاصمة: الأولى مرحلة عزيزة على نفسه تشكلت فيها ملامحه الوجدانية وانحيازاته الجمالية وتوجهاته الفكرية، والثانية مرحلة التخلي عن كل ذلك من أجل الانتساب إلى حياة جديدة لها ملامحها المختلفة وانحيازاتها البعيدة عن المرحلة الأولى، وهو ما عبَّر عنه الشاعر بقوله (دع أسمالك) واستخدام لفظ (أسمال) يدل على التكييف لهذه المرحلة/مرحلة التشكُّل الأولى، فلفظ أسمال هي الثياب القديمة البالية، وهي تدل على الفقر الشديد، وهذا يعني أن الانتقال إلى العاصمة مرحلة فاصلة بين حياتين، حياة الفقر الشديد بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، ومرحلة جديدة مختلفة، ثم ينتقل الشاعر إلى أمر آخر (وطوِّح بكل ما جئت به) ومعنى (طوِّح) ألق به بعيدا، ثم يأتي لفظ (كل) الدال على العموم؛ ليشمل كل ما جاء به من أفكار وتوجهات وانحيازات مهما كانت مكانتها عنده فلابد أن يلقيها بعيدا ويتخلص منها؛ لأن المدينة سوف تشكِّل له شخصية جديدة تماما، ومن ثم فلا حاجة لكل ما يمتلكه من أفكار ونظريات وانحيازات وتوجهات، ثم تأتي التشبيهات لتشكل جزءا من بنية الرؤية لهذا القادم، فهو قروي ساذج، وجنوبي يشمخ بلهجته ويستدفئ بموهبته، لكنهم ليسوا في حاجة إلى كل ذلك؛ لأنهم سوف يصنعونه على أعينهم، ففي البداية يصطادونه منبهرين، ولنا أن نتخيل ما في لفظ (يصطادونك) من دلالة، فالصيد لابد له من إغراء (الطعم الذي يوضع في السنارة) وهو الانبهار الذي يبدو عليهم لإقناعه بمكانته عندهم، ثم تبدأ عملية التغيير (يصطنعونك على أيديهم) أي يشكِّلون شخصيته التي يريدونها؛ ليكون ابن العاصمة، وهنا تبدأ مرحلة التحول والتغيُّر التي ستمحو ما مضى وتعيد برمجة الشخصية وفق احتياجات وأطر العاصمة، فيكون ابن العاصمة الذي لا يشق له غبار حكاية أو تتصدع له جدران قصيدة، وهنا لابد من إعادة النظر فيما تخلى عنه، فقد تخلى عن كونه قرويا بسيطا نقي السريرة صافي النفس (ساذج) أو جنوبيا يتباهى بلهجته وموهبته، لقد تخلى عن كل ذلك، تخلى عن سذاجته/نقائه وصفاء سريرته، وتخلى عن موهبته ولهجته، فالعاصمة لا تحتاج إلى ذلك، ولكنها تحتاج أن يكون ابن العاصمة الأمين على ملامحها التي غرستها فيه، وهنا فقط سيستمع الجميع إلى حكاياته مهما كانت تافهة، وسينشدون قصائده مهما بلغت من السوء؛ لأنه ابن العاصمة.
– 3 –
فقط
بضع عناوين لأسماء كبيرة
وهرطقات من دارت برأسه الخمرة الرخيصة
خذ سيجارة
واستمع لخوار العجل
الذي طوَّح بالكأس كممثل فاشل في مليودراما فجة
أو كمودي الذي فعل المستحيل كي ” يخرج من جلباب أبيه“
بالكاد ستكون مسخا
أو ولدا متوحدا
بعد أن جرت عليك كل أفاعيل العاصمة
التي طوتك كمنديل بلَّله العرق
وبصقتك تترنح آخر الليل كقصيدة مرتبكة
كنغم شاذ
كإردواز مكسور في كُتَّاب القرية
كصوت أمك المتحشرج وهي تسأل عنك في النزع الأخير
وأنت تهش الضباب برأسك
وتستنكر خبر وفاتها
لأنها قدَّت من صخر الصبر
وقوة اليقين
اليقين الذي بدده رفاق التشيؤ
وخيالك العاجز عن الوثوب
يأتي المقطع الثالث ليرصد ملامح حياة العاصمة وتشكلات أبنائها، ويبدأ المقطع بلفظ (فقط) لتكون بمثابة الخيط الذي يمكن أن يكون رابطا بين الملامح المشتركة بين أبناء العاصمة (بضع عناوين لأسماء كبيرة/وهرطقات من دارت برأسه الخمرة الرخيصة/خذ سيجارة/واستمع لخوار العجل/الذي طوَّح بالكأس كممثل فاشل في مليودراما فجة/أو كمودي الذي فعل المستحيل كي ” يخرج من جلباب أبيه”/بالكاد ستكون مسخا/أو ولدا متوحدا/بعد أن جرت عليك كل أفاعيل العاصمة) هكذا تكون الحياة في العاصمة وصناعة الشهرة، ما عليك إلا أن تذكر بعض الأسماء الكبيرة، وتتفوَّه بكلمات غير مترابطة ولا مفهومة كما يتكلم المخمور الذي لعبت برأسه الخمر، فلم يعد يعي ما يقول، ثم يعرض على من بجواره سيجارة، ويستمعون إلى ما يلقى من إبداع/خوار العجل، هو إبداع لا ملامح له، ولا فكر ولا وجدان، ولا إجادة لشيء فهو كالممثل الفاشل في ميلودراما فجة، فكل شيء لا علاقة له بالإبداع، أو كمودي الذي حاول الخروج من جلباب أبيه وهنا يحيلنا الشاعر إلى رواية (لن أعيش في جلباب أبي) ولكن يحيلنا فيها إلى التخلص من مرتكزات الفكر التي شكَّلت ملامح الشخصية في الموروث الثقافي والفكري والاجتماعي والديني، إنه التخلي عن منظومة القيم كاملة، فيصبح بذلك مسخا، أو مريضا بمرض التوحد، إنها أفاعيل العاصمة (بعد أن جرت عليك كل أفاعيل العاصمة) ثم يبدأ الشاعر برصد ما فعلته العاصمة في ذلك المبدع الذي هبط عليها ليحقق وجوده فإذا به يتحول إلى مسخ، لقد حوَّلته العاصمة إلى (منديل بلَّله العرق/وبصقتك يترنح آخر الليل/كقصيدة مرتبكة/كنغم شاذ/كإردواز مكسور في كُتَّاب القرية/كصوت أمك المتحشرج وهي تسأل عنك في النزع الأخير/وأنت تهش الضباب برأسك وتستنكر خبر وفاتها) هكذا غيَّرت العاصمة ملامحه، وأفقدته كلَّ شيء، فتحوَّل كالمنديل الذي تبلل بالعرق، ومع ذلك بصقته العاصمة في الليل غير متوازن في تفكيره ولا وجدانه، وغير راضٍ دائما، مشوَّه الرؤية والتفكير، ومستنكرا لأي شيء مهما كان واضحا أمامه، ومنكرا لليقينيات ومتعديا على المسلمات، ويدعي أنه يبحث عن التنوير، ويدعو إليه/ وأنت تهش الضباب برأسك وتستنكر خبر وفاتها. لقد كانت المدينة الفاعل الحقيقي والكاسب الفعلي، أما هو فسوف يرحل كما رحل غيره وسيأتي آخرون؛ ليمروا بالتجربة نفسها ويصلوا إلى النهاية نفسها، وتظل الدائرة تدور، وتطحن كل من يختار المدينة فتنسخه وتمسخه؛ ليتحول في النهاية إلى لا شيء، ثم ترصد نهاية المقطع المقارنة الكاشفة حين يقول الشاعر (كصوت أمك المتحشرج وهي تسأل عنك في النزع الأخير/وأنت تهش الضباب برأسك وتستنكر خبر وفاتها/لأنها قدَّت من صخر الصبر/وقوة اليقين/اليقين الذي بدده رفاق التشيؤ وخيالك العاجز عن الوثوب) هنا المقارنة بين مرحلتين، مرحلة ما قبل العاصمة التي اتصفت بقوة اليقين والصبر والتباهي بالموهبة واللهجة وصفاء السريرة ونقاء النفس، ومرحلة العاصمة التي اتصفت بتبدد اليقين والخيال العاجز عن الوثوب، فاليقين بدَّده رفاق التشيؤ، الباحثون عن المكسب المادي على حساب الموهبة والساعون إلى السيطرة والتحكم، وعجز الخيال نتاج طبيعي للتخلي عن الموهبة فلم يعد الخيال قادرا على الوثوب؛ لأنه تخلى عن أهم ما يجعله يثب ويحلق، وهو الموهبة، ثم يأتي المقطع الرابع والأخير ليكون كاشفا للحقيقة، إنه يمثل لحظة التنوير التي تنكشف فيها الحقائق، وتتعرى الملامح المتخفية، وتسقط الأقنعة في مشهد درامي كاشف ومؤثر.
– 4 –
فقط
عندما تصحو
علي رصيف الوقت الذي وكزك
كي تغادره بعيدا عن الركب الرسمي
حيث كل الصور باهتة
والمجاز أجهز عليه القوادون
ولصوص الفيس
والنصوص الخرساء
وحيث تزدحم الأسواق بالنقاد الأوغاد
وحاملي الدكتوراة مجهولة المصدر
فقط
تذكر دائما:
أنك في العاصمة
تتجلى الحقائق في هذا المقطع بوضوح، فبعد مرور الوقت، واستيقاظ النفس على قرع لحظات العمر الهاربة، والوصول إلى المحطات التي تتكشف فيها الأمور، وتبدأ رحلة المغادرة للركب الرسمي، وهنا يستخدم الشاعر الألفاظ الحادة جدا، والكاشفة لملامح المشهد الثقافي برمته في الوقت نفسه (حيث كل الصور باهتة والمجاز أجهز عليه القوَّادون ولصوص الفيس والنصوص الخرساء وحيث تزدحم الأسواق بالنقاد الأوغاد وحاملي الدكتوراة مجهولة المصدر) تبدو كل صور المشهد سلبية للغاية، وحادة (القوَّادون –لصوص –النقاد الأوغاد –الدكتوراه مجهولة المصدر) يبدو المشهد هنا عبثيا للغاية؛ فالكل يساوم، والكل يدمر في المشهد الثقافي، ولا أحد يبحث عن الإبداع الحقيقي، والكل مزيَّف، فالأسواق مزدحمة بالنقاد الأوغاد المضللين الذين يلبسون الحق بالباطل والباطل بالحق من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية، وكل شيء عندهم قابل للمساومة ما دامت هناك منفعة شخصية، وإلا فلا قيمة لإبداع أو فكر لا استفادة شخصية من ورائه، والتزوير يطال أصحاب القامات الفكرية الذين يفترض بهم ضبط إيقاع الفكر والثقافة، ولكنهم أيضا واقعون في دائرة الاتهام؛ فهم حاملو دكتوراه مجهولة المصدر، والمقصود بالدكتوراه الإشارة إلى أصحاب الشهادات العلمية الذين يقع على عاتقهم المتابعة الدقيقة والواعية للمشهد الثقافي برمته، ولكنهم أيضا واقعون في دائرة الاتهام في إشارة واضحة للتزوير/الدكتوراه مجهولة المصدر، سواء عن طريق السرقات العلمية التي أصبحت أخبارها معروفة بين الجميع، أو تزوير الشهادات نفسها، وهنا لابد من الإشارة إلى أن الشاعر يتحدث عن بعض أصحاب الشهادات العلمية وليس جميعهم؛ لأنه يتحدث عن الذين يصنعون ضجيجا كبيرا دون إنتاج فكري حقيقي، ويشاركون في تشويه المشهد الثقافي. لقد جاء المقطع كاملا يدين المشهد الثقافي بأكمله، وكل عناصره، فلا أحد ينجو من الإدانة، ولذلك يختم الشاعر المقطع بعد كل هذه الملامح السلبية بقوله (فقط تذكر دائما أنك في العاصمة) لقد جاء المقطع الأخير من القصيدة بتموجاته وأنسجته اللغوية المختلفة كاشفا عن المشهد الثقافي في العاصمة بكل ما يحمله من سلبيات من وجهة نظر النص، ومدينا لكل آليات العمل الفاعلة في هذا المشهد، وواصفا العاصمة بأنها مكان لتدمير المواهب وتحويلها إلى مجرد مسوخ ما تلبث أن تستبدلها عندما تفقد بريقها، ومشروعية وجودها.
التشكيل اللغوي والبلاغي للنص
لقد خرجت الشخوص الواردة في النص عن كينونتها الفيزيائية لتصبح تجريدا خالصا؛ لأن الشاعر لم يتحدث عن أشخاص بأعيانهم، فحين تحدث عن الهابط إلى العاصمة لم يذكر اسما معينا، أو شخصا بعينه، ولكنه تحدث عن كل من يهبط إلى العاصمة أيا كان اسمه، أو المكان الذي جاء منه، ولذلك قال (كقروي… أو جنوبي…) في إشارة إلى تنوع من يهبطون إلى العاصمة سواء من الأرياف أو المدن، وكذلك قوله (خذ سيجارة – استمع لخوار العجل) فهو لم يذكر شخصا محددا سواء من أعطى السيجارة أو من أخذها، وكذلك من يتحدث والذي وُصِف حديثه بأنه خوار العجل، ومن ثم كان قولنا إن هذه الشخوص تخلت عن الطبيعة الفيزيائية لتتلبس بالطبيعة التجريدية، مما يحوِّل طبيعتها إلى طبيعة إدراكية سائلة بين كل الشخوص الذين يندرجون تحت إطارها العام، وتوصيفها المحدد، وسوف نتوقف هنا عند التشكيل البلاغي ومدى قدرته على المساهمة في إنتاج الدلالة في النص، فنتوقف أولا مع النص بين الخبرية والإنشائية، ثم نتوقف ثانيا مع التشكيل الصوري للنص، فنتلمس بعض الصور الفنية، ومدى قدرة ذلك كله على استكناه عالم النص، والكشف عن مخبوءاته.
أولا: النص بين الخبرية والإنشائية
يسيطر الأسلوب الخبري على النص بشكل واضح؛ فقد اشتمل على ستة أساليب إنشائية فقط، أما بقية أساليب النص فقد جاءت كلها خبرية، ومن البدهي أن يكون للأسلوب الخبري حضور بارز في النص؛ فالنص يقدم تجربة للمبدع الذي هبط إلى العاصمة باحثا عن الشهرة، في محاولة منه أن يكون ضمن التشابكات الثقافية والفكرية للعاصمة بكل ما فيها من صراعات وتغيرات فكرية وإبداعية، وبكل ما فيها من تطابقات قليلة، وتناقضات كثيرة في الانحيازات الجمالية والرؤى الفكرية، ومن ثم فإنه من الطبيعي أن تكون الأساليب الخبرية حاضرة بقوة في النص؛ لأن الشاعر يخبر عن التجربة بكل تفاصيلها، وتشابكات عناصرها، وتداخل خيوطها، وقد تنوَّعت الأغراض البلاغية لهذه الأساليب الخبرية، ويعدُّ السياق المحدد الفعلي لدلالة الأساليب من خلال (كشفه عن دلالات الأبنية اللغوية التركيبية بصورة دقيقة لا ينصرف الذهن إلى غيرها من الدلالات التي يمكن أن تتضمنها أو تؤديها سيما تلك التراكيب المحتملة لأكثر من معنى وبواسطة تجاوز الكلمات حدودها المعجمية المعروفة إلى دلالات جديدة قد تكون مجازية أو إضافية أو نفسية أو إيحائية أو اجتماعية، أو غير ذلك من الدلالات)(١) ومن الأساليب ما جاء دالا على التنبيه، مثل (سيصطادونك منبهرين ويصنعونك علي أيديهم لتكون ابن العاصمة) فهوتنبيه للهابط إلى العاصمة بما سيحدث له من أفاعيل، وكأن الشاعر/النص يريد له أن يأخذ حذره فلا ينساق وراء الإغراءات والشباك المنصوبة له بعناية؛ كي يتخلى عن هويته الإبداعية، فإذا لم ينتبه فإن النص بذلك يجعله شريكا في المسؤولية المعنوية لما آل إليه حال الإبداع، ومن ذلك أيضا الأسلوب الخبري في قوله (لا أحد يسأل…) وهو أسلوب خبري الغرض منه التنبيه، ومن الممكن أن يكون الغرض منه التقرير، فإذا كان الغرض منه التنبيه فإن الدلالة تتجه إلى تنبيه الهابط إلى العاصمة بأنه لن يسأله أحد عن مسقط رأسه أو من أين أتى، ومن ثم فإن عليه ألا يشغل نفسه بهذه الفكرة؛ فلا أحد يهتم بذلك، وفي ذلك إشارة إلى أن الهابط إلى العاصمة قد يكون مشغولا بأن أماكن معينة يمكن ألا تلقى قبولا في العاصمة، وهنا يطمئنه الشاعر/النص بأن هذا السؤال غير وارد مطلقا؛ فلا أحد في العاصمة مهتم بهذه الفكرة، وإذا كان الغرض من الأسلوب الخبري التقرير فإن الدلالة تتجه إلى تقرير واقع العاصمة بأنها غير مهتمة بالأماكن التي يأتي من خارجها المبدعون، وأنها مشغولة فقط باحتوائهم، وصناعتهم على أعينها؛ ليكونوا من أبنائها، ومن الأساليب الخبرية الدالة على النصح الإرشاد (فقط بضع عناوين لأسماء كبيرة وهرطقات من دارت برأسه الخمرة الرخيصة) وهي نصيحة لمن يريد الشهرة في العاصمة وهذه النصيحة ترسم له طريق الشهرة بوضوح، ومن الأساليب الخبرية ما يكون الغرض منه السخرية والاستهزاء، ومنها (بالكاد ستكون مسخا أو ولدا متوحدا بعد أن جرت عليك كل أفاعيل العاصمة) فالشاعر/النص يسخرمن هذا المبدع التي جرت عليه أفاعيل العاصمة ظنا منه أنه أصبح ضمن كبار المبدعين الذين يشار إليهم بالبنان، ولكن النص يخبره أنه بالكاد أصبح مسخا، وقد جاء في لسان العرب (المَسْخُ تحويل صورة إِلى صورة أَقبح منها وفي التهذيب تحويل خلْق إِلى صورة أُخرى مَسَخه الله قرداً يَمْسَخه وهو مَسْخ ومَسيخٌ وكذلك المشوّه الخلق… ومسيخ فعيل بمعنى مفعول من المسخ وهو قلب الخلقة من شيء إِلى شيء ومنه حديث الضباب إِن أُمَّة من الأُمم مُسِخَت وأَخشى أَن تكونَ منها والمسيخ من الناس الذي لا مَلاحَة له ومن اللحم الذي لا طعم له ومن الطعام الذي لا ملح له ولا لون ولا طعم، ومن الفاكهة ما لا طعم له وقد مَسُخَ مَساخة) وإذا كان لفظ (مسخا) ذا دلالة سلبية، واستخدم في اللغة دالا على التحويل من صورة إلى أخرى منبوذة مشوَّهة فإن الدلالة في النص هنا ليست مادية، ولكنها دلالة معنوية بمعنى أن المبدع الذي جرت عليه أفاعيل العاصمة لم يحقق ما كان يتمناه من رقي في الإبداع وشهرة، ولكنه تحوَّل إلى صورة مشوَّهة منبوذة ومنفِّرة لكل ذي فطرة سليمة ومن هنا قلنا إن الغرض من الأسلوب الخبري السخرية والاستهزاء، ومن الأساليب الخبرية الدالة على السخرية والاستهزاء أيضا قوله (الذي لا يشق له غبار حكاية أو تتصدع له جدران قصيدة) وهو هنا ذم ولكنه جاء بما يشبه المدح، فظاهر الجملة الخبرية هنا أنها مدح لهذا المبدع الذي أصبح ابن العاصمة، فهو أصبح لا يشقُّ له غبار حكاية، ولا تتصدع له جدران قصيدة، وفي ذلك إعلاء لمكانة هذا المبدع، ولكننا إذا وضعنا هذه الجملة في السياق التي وردت فيه فإن الدلالة ستختلف تماما؛ فهي قد جاءت بعد الأفعال (يصطادونك – يصنعونك – لتكون ابن العاصمة) كما جاءت بعد إجراء التحول عليه؛ إذ كان (جنوبي يشمخ بلهجته، ويستدفئ بموهبته) فإذا كان يشمخ بلهجته، ويستدفئ بموهبته، وتم إجراء تحويل وتغيير عليه فإنه لا شك تحويل وتغيير إلى غير ما كان عليه، وإذا عرفنا أن ما كان عليه إيجابي فإن التحويل الذي صار إليه سلبي بالتأكيد، ومن هنا قلنا إنه ذمٌّ بما يشبه المدح، فهو مدح في ظاهره، ولكنه ذمٌّ في حقيقته، ويرى بعض النقاد أن هذا الأسلوب يمثل خروجا عن النسق الذي يُكْسِب المعنى طرافة وروعة؛ فهو يعتمد في تأثيره على المباغتة التي تترك أثرها الوجداني على المتلقي(٢) ويمكن أن يُفهم من الأسلوب الخبري السابق أنه مدح من وجهة نظر العاصمة وقيمها، ولكنه ذمٌّ من وجهة نظر الإبداع الحقيقي الذي يستدفئ بالموهبة، ويتباهى باللغة، ومن هذا النوع من الأساليب الخبرية/الذم بما يشبه المدح قوله (وأنت تهش الضباب برأسك) فإذا نظرنا إلى الدلالة المباشرة للجملة منفصلة عن محيطها اللغوي نجد أن هذا الإنسان يهش الضباب برأسه، أي يزيل الغيوم عن فكره، وهو مدح؛ لأن إزالة الغيوم تستدعي وضوح الرؤية، ولكننا إذا ربطنا الجملة بما قبلها وما بعدها، بمعنى وضعناها ضمن دائرتها اللغوية فسوف نكتشف أن الغرض منها الذم وليس المدح؛ فهذا المبدع يستنكر حشرجة صوت أمه، وهي في النزع الأخير، وهي صورة دالة على النهاية، ولا تستدعي جدالا أو تأويلا، ولكن هذا المبدع يهش الضباب برأسه، ويستنكر خبر وفاتها استنادا إلى أنها قدَّت من صخر الصبر واليقين، ومن ثم فإنه لم يكن يهش ضباب الإنكار للوصول إلى اليقين، ولكنه يهش ضباب اليقين – كما يظن – للوصول إلى ما يعتقده مستنكرا ما يقال عن وفاتها، ومن ثم قلنا إن الجملة فيها ذمٌّ جاء في صورة مدح، والغرض من هذا الأسلوب الخبري السخرية والاستهزاء من هذا المبدع الـذي لا يرى الحقائق الواضحة، ويستنكر وجودها مع كونها ليست محلا للاستنكار، وتتوالى الأساليب الخبرية الدالة على الاستهزاء والذم، مثل (طوَّح بالكأس كممثل فاشل في مليودراما فجة – طوتك كمنديل بلَّله العرق – وبصقتك تترنح آخر الليل كقصيدة مرتبكة…الخ). أما الأساليب الإنشائية فقد اشتملت القصيدة على ستة أساليب، هي (من أين هبطت؟ – دع أسمالك – طوّح بكل ما جئت به – خذ سيجارة – استمع لخوار العجل – تذكر دائما) وقد جاءت كلها أساليب أمر ما عدا الأسلوب الأول (من أين هبطتَ؟) فهو أسلوب استفهام، وإذا نظرنا إليه باعتباره سؤالا عاديا لكل من يهبط إلى العاصمة فإنه يكون استفهاما حقيقيا الغرض منه الاستفسار عن المكان، وإذا نظرنا إليه من زاوية الموهبة والإبداع، أي من زاوية الشموخ باللغة والاستدفاء بالموهبة فإن الغرض منه يكون التعجب، أي أن هذا المبدع الذي يشمخ بلهجته ويستدفئ بموهبته قد اثار تعجب المستمعين له، وإذا كان النظر منصبًّا على الأسمال البالية التي تغطي هذا المبدع فإن الغرض من الاستفهام هنا يكون السخرية والاستهزاء من شموخه بلهجته مع أسماله البالية، وكأن سائلا يسأله لماذا تشمخ علينا بلهجتك وموهبتك وأنت بهذه الأسمال البالية؟ أما الأسلوبان (دع أسمالك – طوّح بكل ما جئت به) فإن الغرض منهما النصح والإرشاد، فالنص هنا ينصح هذا الهابط إلى العاصمة أن يتخلى عن الأسمال وعن كل ما يحمل من أفكار ورؤى؛ فهي غير ضرورية في العاصمة؛ لأن العاصمة سوف تقوم بتغيير لكل شيء، ثم يأتي أسلوب الأمر (خذ سيجارة) ليدل على التودد والتقرب، ومعروف في الذاكرة المجتمعية أن إعطاء سيجارة نوع من الرشوة، وهو شيء متعارف عليه بين الأفراد المرتشين في المؤسسات الحكومية، وهو ما يعني أن المصالح الشخصية والرشوة والمنفعة هي الحاكمة والمتحكمة في معظم المشهد الفكري والثقافي في العاصمة، ثم يأتي أسلوب الأمر (اسمع خوار العجل) والغرض منه الالتماس؛ لأنه قد جاء بعد التودد السابق المصحوب بالرشوة (خذ سيجارة) ومن ثم يصبح الالتماس في الاستماع إلى هذا الإبداع الفجّ (خوار العجل) هو المرجَّح للغرض من أسلوب الأمر، ثم يأتي الأسلوب الإنشائي الأخير وهو أسلوب الأمر (تذكَّر دائما…) لكي يدل على السخرية والاستهزاء من هذا الهابط إلى العاصمة الذي اندمج ضمن عناصر العاصمة، وجرت عليه أفاعيلها، ثم اكتشف في النهاية الحقيقة، فالنص يسخر منه منه ويستهزئ من صحوته بعد فوات الأوان، وأنه كان ينبغي أن يدرك ذلك منذ البداية.لقد ساعدت الأساليب بتنوعها إنتاج الدلالة في النص، والكشف ن الرؤية الفكرية ذات الأبعاد المتشابكة، والتي أراد النص إيصالها إلى المتلقي.
ثانيا: الصور البلاغية ودورها في إنتاج الدلالة
وإذا انتقلنا إلى زاوية أخرى من التحليل البلاغي ودوره في إنتاج الدلالة فإننا نتوقف هنا أمام بعض الصور الواردة في القصيدة في محاولة لاكتشاف العلاقة بينها وبين الإطار العام للرؤية التي أوضحناها من خلال التحليل في مراحله السابقة، وكذلك العلاقة بينها وبين الدلالة العامة للشخصيات الواردة في القصيدة، وهي شخصيات – كما أوضحنا سابقا – خرجت من طبيعتها الفيزيائية وأصبحت ذات طبيعة تجريدية؛ فقد تعاضدت الآليات جميعا للكشف عن الرؤية المتخفية خلف العلاقات اللغوية، والانحيازات الجمالية في القصيدة، وإذا كنا نرى أن (الشاعر الحق – كما يقول جوبير – هو الذي تمتلئ نفسه بالصور الواضحة على حين أن نفوسنا لا توجد فيها الصور إلا متفرقة وغامضة، وهو يستلهم هذه الصور أكثر مما يستلهم الأشياء ذاتها)(٣) فإننا نجد القصيدة تمتلئ بالصور المحورية التي تستند عليها في الكشف عن خبايا الرؤية، التي تعدُّ أداة للإدراك الواعي، والقدرة على أن تجعل شبكة العلاقات البلاغية متشابكة ومترابطة ترابطا عميقا بحيث تصبح معادلا لشبكة العلاقات اللغوية في الكشف عن خبايا الرؤية الفكرية المتخفية وخيوطها وأنسجتها المختلفة، أما الصورة الأولى التي تواجهنا في هذه القصيدة فهي في قول النص (دع أسمالك وطوِّح بكل ما جئت به كقروي ساذج وجنوبي يشمخ بلهجته ويستدفئ بموهبته) والصورة البسيطة المباشرة المتخيَّلة أن إنسانا بالي الثياب محملا بكثير من الأفكار والرؤى والمرتكزات الفكرية والانحيازات الجمالية يهبط العاصمة، ويستقبله من ينصحه، ويعطيه بعض التوجيهات التي تساعده على التأقلم في حياة العاصمة، وقد يكون هذا الهابط إلى العاصمة قد فشل في التأقلم واستنصح أحدهم، ومن ثم فإن في الصورة عناصر محذوفة، منها ماهية السؤال، ومن توجَّه إليه السؤال، والموقف الذي قيل فيه السؤال، ولكن الصورة تضعنا مباشرة في بؤرة النصيحة، وكأنه ليس من المهم من سأل ومن أجاب ولا الموقف الذي طُرِح فيه السؤال؛ لأن كل من يهبط العاصمة في حاجة إلى النصيحة، وكل من يقابل الهابط إلى العاصمة ستكون هذه نصيحته، ومن ثم قلنا سابقا إن الشخوص في القصيدة خرجت من طبيعتها الفيزيائية إلى طبيعة تجريدية، وتبدأ الصورة التشبيهية بعنصر مادي من الواقع (أسمال) وعنصر معنوي (كل ما جئت به) ورغم أنه يشمل المادي والمعنوي فإنه تحوَّل إلى مادي باستخدام الفعل (طوّح) فالتطويح هو الرمي بعيدا وهو لا يكون إلا للماديات، ثم يأتي المشبه به مشتملا على عنصرين ماديين (قروي – جنوبي) ولكي تتضح ملامح الصورة، ودورها في الكشف عن الرؤية الفكرية المتخفية وراء هذه الصورة وعناصرها اللغوية لابد أن نستحضر صورة المشبه به (قروي – جنوبي) في الذاكرة الجمعية، فالثقافة في القرية تميل ميلا شديدا إلى تبسيط وتجسيد الأفكار، وتهتم بالصورة العامة لها ولحدودها الخارجية دون تفاصيلها، وكذلك يميل سكان القرى إلى التسليم بأقدارهم، ويعتبرون أنساق حياتهم قدرا ينبغي الإيمان به والتسليم له، ولا ضرورة للفرار منه، وهو على عكس اعتقاد أهل العاصمة الذين يرون أنهم يديرون حياتهم، وأنهم في تغيُّر مستمر، متنقلين بين دروب الحياة المختلفة انطلاقا من شعورهم شبه اليقيني بعدم رضاهم عن ظروفهم الراهنة، ومن ثم فإنهم يشعرون بالتحكم في أقدارهم، ولذلك فإن نظرة أهل العاصمة تحديدا إلى القروي نظرة سلبية، وهو ما اتضح في الصورة السابقة (طوِّح بكل ما جئت به كقرويٍّ ساذج) ولفظ (ساذج) يشير إلى الحياة الفطرية بروحها البدائية، وهي حياة متناقضة تماما – كما أشرنا – مع حياة العاصمة. إن الصورة هنا كشفت عن نظرة أهل العاصمة السلبية إلى القروي، ولكننا ينبغي أن نتذكر أن لفظ (قروي) مشبَّه به، بمعنى أن النص لا يتحدث عن القروي تحديدا، ولكنه يتحدث عن الهابط إلى العاصمة بصفة عامة، ويشبِّهه بالقروي الساذج، وإذا كانت نظرة العاصمة إلى القروي سلبية فإن نظرتها إلى من يهبط إليها من أي مكان ستكون بالضرورة – كما يرى النص – سلبية، ومن ثم فإن المبدع الهابط إلى العاصمة إما أن يقبل بإجراء عمليات التغيير عليه؛ ليكون من أبناء العاصمة، أو ينكفئ على ذاته، أما الجنوبي فقد وصفته الصورة بأنه (يشمخ بلهجته ويستدفئ بموهبته) وهي كناية عن الفخر والاعتزاز، ومعنى ذلك أن الناصح يطلب منه أن يتخلى عما يفتخر به ويعتز بامتلاكه؛ لأن ذلك ليس من أولويات أهل العاصمة ولا من اهتماماتهم، وفي ذلك أيضا نظرة سلبية. لقد كشفت الصورة من خلال عناصرها عن نظرة أهل العاصمة السلبية لكل من يهبطون من خارجها وما يعتزون به ويمتلكونه من رؤى جمالية، ومرتكزات فكرية، وقيم حياتية، وبذلك أصبحت الصورة عنصرا مساعدا في الكشف عن الرؤية الفكرية للنص.
الصورة الثانية التي ينبغي التوقف عندها من أجل رصد دور شبكة العلاقات البلاغية في إبراز الرؤية المتخفية، هي (واستمع لخوار العجل الذي طوَّح بالكأس كممثل فاشل في مليودراما فجة أو كمودي الذي فعل المستحيل كي “يخرج من جلباب أبيه”) وإذا كانت الصورة السابقة قد كشفت – من وجهة نظر النص – عن نظرة العاصمة إلى المبدعين من خارجها فإن هذه الصورة تكشف عن وجهة نظر النص في إبداع من تخلى عن هويته الإبداعية التي هبط بها إلى العاصمة، وجرت عليه أفاعيلها، ففي قوله (خوار العجل) استعارة حيث شبَّه صوت المبدع وهو يلقي بقصيدته بأنه خوار وشبه المبدع بالعجل، وفيه استهزاء بالمبدع وإبداعه، بعد أن كان في الصورة السابقة يشمخ بلهجته، ويستدفئ بموهبته، وفي ذلك تحوُّل في النظرة إليه، وإلى إبداعه، ثم يأتي التشبيه ليستكمل الصورة السلبية (خوار العجل الذي طوَّح بالكأس كممثل فاشل في ميلودراما فجة) وهو تشبيه يكشف عن صورة مفرطة في السلبية، ولنا أن نتخيل العجل الذي يطوِّح بالكأس، ويزيد الشاعر في حفر وتعميق سلبية الصورة فيشبه هذا العجل/المبدع بالممثل الفاشل، فرغم كونه ممثلا، أي أنه غير صادق، فإنه فاشل في تمثيله، ويضيف الشاعر عنصرا آخر مهما لتزداد سلبية المشهد، وهو لفظ الميلودراما، فالميلودراما كلها فجة، والتصريح بلفظ الميلودراما هنا ذو دلالة عميقة في تشكيل الصورة؛ فالميلودراما (هي ذلك النوع من العروض والتمثيليات من أدب المفارقات لكن بمبالغات مطلوبة لتعظيم أثر اللقطة أو المشهد وردة فعل المشاهد من الجمهور، ذاك الصنف المميز من الأداء والتفاعلات التي تزخر بالحوادث المثيرة وتتسم بالمبالغة في كل شيء واستخراج كل الملكات والقدرات التي تذهب في طريق الإقناع والتأثر، فالممثلون يبالغون في التشخيص والمعايشة للدور وقوة التعبير عن العواطف والانفعالات كما يبالغون في الحركات التمثيلية، لكي يؤثروا في المتفرجين)(٤) ومن الواضح العناصر التي أراد الشاعر أن تتضمنها صورته، ولم يصرِّح بها، ولكنه أوردها من خلال إيراد لفظ ميلودراما، فالعناصر التي تشتمل عليها الميلودراما هي المبالغة في التمثيل، وبالتالي فالمشهد ليس حقيقيا ولكنه تمثيل، وهو قائم على المفارقات، وإذا كانت المفارقة – على حسب معجم تاريخ الأفكار – هي ذلك التصارع بين معنيين… المعنى الأول هو الظاهر الذي يتقدم باعتباره الحقيقة الواضحة، غير أن سياق المعنى يفاجئنا بالكشف عن معنى آخر يواجه المعنى الأول، ويتصارع معه، فيظهر المعنى الأول بذلك كأنه خطأ(٥) فإن المفارقة في ذكر الميلودراما هنا تكشف عن عنصر آخر من عناصر المشهد الذي تغرسه الصورة في ذهن المتلقي، وهو التناقض، وإجهاد النفس في إقناع الجمهور، ولكن السياق يكشف الفشل في كل ذلك، فالفشل أصاب الممثل/المبدع الذي لم يستطع أن يؤدي دوره بإتقان، وبالتالي فشل في إقناع الجمهور بإبداعه وما يحمله من قيم جمالية، ورؤى فكرية، فإذا أضفنا إلى ذلك كله أن هذه الميلودراما فجة أي غير مقبولة ولا متسقة مع العقل والمنطق ومنظومة الإبداع تتضح دلالة الصورة وما تعبر عنه، ومن ثم فإن الصورة (خوار العجل الذي طوَّح بالكأس كممثل فاشل في ميلودراما فجة) كشفت بوضوح عن وجهة نظر النص تجاه إبداع الهابط إلى العاصمة بعد أن جرت عليه أفاعيل العاصمة لتكشف بذلك عن جانب الرؤية الفكرية التي أرادها النص.
أما الصورة الثالثة التي نتوقف أمامها فهي (طوتك كمنديل بلَّله العرق وبصقتك تترنح آخر الليل كقصيدة مرتبكة كنغم شاذ كإردواز مكسور في كُتَّاب القرية) وهي صورة تشبيهية تتكون من أكثر من تشبيه، فالنص يشبه الهابط إلى العاصمة في نهايته المأساوية بالمنديل الذي بلَّله العرق، وبالقصيدة المرتبكة، وبالنغم الشاذ، وبالإردواز المكسور في كتَّاب القرية، وكلها عناصر موغلة في السلبية لهذه النهاية التي آل إليها هذا المبدع الذي تخلى عن موهبته والشموخ بلهجته، وتخلى عن براءته كقروي لحساب رؤى العاصمة وانحيازاتها الفكرية والجمالية، وهذه الصورة هي استكمال للفكرة الوارة في الصورة السابقة، ولكنها أكثر كشفا عن النهاية، أما الصورة السابقة فهي توصيف لحال هذا المبدع وإبداعه، وفشله في إقناع الجمهور بما يقدِّم، ومن ثم فإن الصورتين تتكاملان في الكشف عن الصورة السلبية لهذا الهابط إلى العاصمة، ونهايته المأساوية التي يكتشف أنه لم يحقق شيئا مذكورا؛ فهو لم يحتفظ بلهجته، ولا بموهبته، ولم يستطع أن يقتع الجمهور بالتجديد الذي يزعمه، ولم تحتفظ به العاصمة في نهاية المطاف، ولكنها طوته كمنديل بلّله العرق، وبصقته يترنح آخر الليل كقصيدة مرتبكة، بل أصبح كالنغم الشاذ الذي لا يطرب أحدا، ولا تألفه أذن، وبدا كأنه إردواز مكسور في كتَّاب القرية، وكلها صور مشوَّهة كاشفة بعمق عن النهاية.
ثم تأتي الصورة الرابعة والأخيرة التي نريد التوقف عندها والتي تمثل جزءا من شبكة العلاقات البلاغية المساعدة في الكشف عن الرؤية الفكرية للنص، وهي (تزدحم الأسواق بالنقاد الأوغاد وحاملي الدكتوراة مجهولة المصدر) حيث يشبِّه الساحة الثقافية في العاصمة بالسوق، وعارضو البضائع هم النقاد، وحاملو الشهادات العليا/الدكتوراة، وهم مزيَّفون ومزيِّفون، فهم من زاوية أنهم أوغاد لا يفعلون شيئا دون مقابل؛ فقد جاء في معجم تاج العروس (الأَوْغَاد: جَمْعُ وَغْدٍ وهو الدَّنِيءُ الذي يَخْدُم بِطَعَامِ بَطْنِه. وقيل: هو الذي يأْكُلُ ويَحْمِل وأَمّا الوَغْلُ باللام فهو الضعيفُ الخَامِلُ الذي لا ذِكْرَ لَه أَوْغَادٌ وُغْدَانٌ بالضمّ ّ ووِغْدَانٌ بالكَسْر يقال: هو من أَوْغَادِ القَوْمِ ووُغْدَانِهم ووِغْدانِهم أَي من أَذِلاَّئِهم وضُعَفائهم) كما جاء في معجم اللغة العربية المعاصرة (وغد [ مفرد ]: ج أوغاد ووغدان ووغدان: 1 – صفة مشبهة تدل على الثبوت من وغد. 2 – أحمق دنيء رذل) ومعنى ذلك أن الدلالة اللغوية للفظ (أوغاد) تتجه إلى ثلاثة عناصر الدنيء الذي يخدم مقابل طعامه، والذليل والضعيف، والأحمق، فإذا كانت الأسواق/الساحة الثقافية في العاصمة تمتلئ بالنقاد الأوغاد، أي الذين يقدمون النقد مقابل ما يحصلون عليه من مكاسب مادية، وليس من أجل الكشف عن الإبداع الحقيقي، وارتقاء الساحة الثقافية فإن هؤلاء النقاد مزيِّفون، بمعنى أن ما يقدمونه لا قيمة له، ولا يمكن الوثوق في أحكامهم النقدية، ثم يأتي العنصر الثاني في الأسواق/الساحة الثقافية، وهم حاملوالشهادات العلمية، فهذه الشهادات مجهولة المصدر، ومن ثم فإنهم مزيَّفون ولايمكن الوثوق أيضا في أحكامهم التي يطلقونها؛ لأنهم اعتادوا على السرقات العلمية فكيف نثق فيما يقدمون؟! إن الساحة الثقافية/الأسواق في العاصمة تمتلئ بهؤلاء المزيَّفون وأولئك المزيِّفون، ومن ثم فإن الاستناد على ما يقدمه هؤلاء وأولئك باطل، فإذا مدحوا إبداعا ما من إبداعات العاصمة فإن علينا الحذر من أحكامهم النقدية.
لقد ساهمت الصور البلاغية في الكشف عن الرؤية الفكرية التي أرادها النص، ووقفت جنبا إلى جنب مع شبكة العلاقات اللغوية في تشكيل الدلالة، والبوح برؤية النص التي تتخفى خلف تلك العلاقات متشحة بالجمال والإبداع، ولكنها تقدم رؤية فكرية في غاية العمق.
المراجع
شاذلية سيد محمد السيد، السياق وأثره في بيان الدلالة، ص 6
ينظر: مهدي إبراهيم الغويل، السياق وأثره في المعنى، ص 93
د. أحمد درويش، في النقد التحليلي للقصيدة المعاصرة، ص 129
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D9%8A%D9%84%D9%88%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A7
Dictionary of the History of Ideas, Studies of Selected Pivotal Ideas, Volume ?, Charles Scribner s Sons, New York, (1973), p. 626
دراسة أخرى للكاتب