عائشة العبد الله
اللوحة: الفنان البلجيكي بول ديلفو
ماذا يريد الحزن مني؟
أنا التي أطعمته رغيف قلبي
لقمةً لقمة،
خلقتُ له مدينة ألعابٍ في ذاكرتي،
وأخذتهُ في نزهاتٍ كثيرةٍ
لحدائق بهوٍ سرية،
علمتهُ كيف يصنع قهوتهُ مرتين في اليوم
بعينين مغمضتين دون أن يخطئ
في مقدار البنّ ودرجة غليان الماء،
كيف يفكّ أزرار قميصه
وهو يلوك فرشاة أسنانه،
وكيف يشذّب أطراف شعره حين تمرّ به
لحظة حب فاتنة،
كيف يلهو بفقاعات وطنه الغارقِ بالصابون،
وكيف يزيّن بيتهُ بغمزات وجوهٍ دافئة،
زرتُ معه كل المقاهي الفاخرة،
ودسستُ في جيبهِ كل القصائد الثمينة،
ملأتُ يديه بروائح لا تغادرُ من صافحها،
وأجلستهُ في المقاعد الأمامية في المركباتِ
وقاعات الاحتفال،
ولكنه كان يسرقُ أحبابي واحدا واحدا،
يباغتُ لقاءاتنا بلحيته البيضاء،
يضع ساقا على ساق،
وكلما انفلتت ضحكاتنا،
يمدّ لسانه الطويل ويسخر منا.