أنثى

أنثى

مصطفى البلكي

اللوحة: الفنان الدنماركي ويلهلم مارستراند

بعد أن قضيا نصف نهار في التجوال على البيوت، نظرت إليه وقالت:

ـ شايف البيت اللي هناك.

اقتربا، فظهر البيت، واجهته زرقاء زرقة السماء الصافية في يوم شتوي دافئ، شرفاته مغلقة، وبعض الملابس منشورة في مشجب البلكونة، من بين الملابس لمح عباءة تزينها الرسوم على الصدر، مصادفة جعلته ينظر إليها ويقول:

ـ بيتك؟

هزت رأسها، وتقدمت من البيت، دفعت المفتاح في القفل، بينما هو تراجع خطوتين، ليصبح في منتصف الشارع، المعدومة فيه الحركة، إلا من بعض كلاب ضالة تعبث بجوار بعض الجدر، وسرب من فراخ راحت تعبر عرض الطريق، قادمة من دغل نخيل متجهة لباب بيت مفتوح. وصله صوت صرير الباب، فعاد والضلفة تجري على البلاط، ألقى بنظره على مجاز أصبح طوع عينيه.

ـ تعال. 

نادته وجسدها يتخطى عتبة صغيرة.

شافت تردده، فمدت يدها للضلفة الثانية ففتحتها، بثت روح الاطمئنان فيه، فكسر خوفه ودخل، جلس على الكنبة المواجهة للمندرة المغلقة، اقتربت منه، ضربت يدها في صدرها، أخرجت ورقتين مطبقتين، نظرت فيهما ومدتهما، وابتسامة تغازل شفتيها الرطبتين، قالت:

ـ انقل الأسماء.

لم تنتظر رده، وتقدمت من المندرة، أدارت الأكرة ودخلت، أوصدت الباب خلفها. بقي وحيداً يرافقه قلق يطرق رأسه، تصاعد، وصوت حفيف يصل إليه من المندرة الموصدة. إنها تغير ملابسها. همس، فسرت ارتعاشة خفيفة، تصاعدت، فشعر بالساكن بين فخذيه ينتفض، لإحساسه بجسد لم تحرث أرضه جيداً، سنوات قليلة ذاق فيها طعم النوم بجوار رجل، اختطفه فشل الكبد، فرحل مرغماً تاركاً لها أربعة عيال ثمرة سنوات زواج، لم تتجاوز أصابع اليد الواحدة. 

خرجت وعلى جسدها عباءة ملونة بورق الشجر، تحتها أشياء بدت واضحة، كانت مختفية خلف الأردية الرسمية.. مألوفة بدت له كونه اتخذها في ليال كثيرة حقل تجاربه، اقتربت، فمال والتقط الورق المتسرب منه، بينما هي ابتسمت وطالبته بأخذ راحته، وتركته ودخلت لجوف الدار، وصله صوت خرير الماء متداخلاً مع صوتها:

ـ تشرب شاي، قبل ما تأكل لقمة على ما قسم.

قال إنه يشرب شاياً فقط، وسكت، بينما تصله أصوات غسل الأكواب، وفتح وغلق أرفف المطبخ، وخربشة قط ضخم، يعافر من أجل فتح باب المندرة المقابلة، يكلل جهده بالنجاح، فينفرج الباب، ويرى التفاصيل المتاحة من المندرة: ثمة سرير لا يسع إلا فردا واحدا، مفروش جيدا، عليه تتناثر ملابسها التي أمضت على جسدها نصف نهار، وفوقه، حينما ارتفع بنظراته، عانق صورة زفافها، خص الزوج المبتسم والمرتدي حلة بيضاء بنظرة، عمقها، فاكتشف جلوسه على كرسي من الخيزران يستقر على بساط أخضر، ترتكز عليه قدمان في كعب عال، تسلق الساقين فالصدر، والوجه المنمق والمشرق بابتسامة، كل هذا تبدد حينما رأى يدها اليسري تمسك بقمة كتفه، كطفل يخشى أن يضيع لو ترك يد أمه.

حاول جاهداً أن يكون متزناً وهي تضع صينية الشاي، عليها كوب واحد.

ـ اشرب.

تقولها وتدير له ظهرها، فيرى مؤخرتها المتوسطة، تبرز قليلا عن مستوي ظهرها، مص ريقه، وكأن الأفكار ما تريد أن تتركه، راحت تذكره بأنها أرملة، وبأن الشيطان يلعب بين أصابعها، وليس هناك حبل ليشد، وكونها امرأة جربت فهي أكثر شوقا للفعل، سكت ونظر حوله، كانت أصوات غسل الأطباق تأتي إليه، وضع كوب الشاي الباقي فيه الكثير، وخرج، أسلم قدميه للريح، ركض في الشوارع، لم يكف إلا وجسده ملقى في بيته، يفكر في ردة فعلها في الصباح..

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.