ريما إبراهيم حمود
اللوحة: الفنان المصري رمسيس يونان
- أفردي كفك أمامي.. امممم نعم واضح جدا.. عمرك طويل، تتزوجين غريبا، و..
يكفهرُّ وجهها، تصمت، تشيح بوجهها عني لتلتقط كفّ أخرى، أسحب كفي من أمامها، أضمُّ به كأس الماء البارد ولا أسألها عن شيء.
يظلُّ كفي معلقاً في يدي وفوقه الفراغ الكامن بعد (و..)، ألاحقه بين حين و آخر، أتأمَّله، خطوطه عادية، مثلث ناقص وخط يوازيه، الكفُّ الآخر يحمل نفس الخربشة، أرفع كفيَّ في الهواء أمامي، أدقّقُ فيهما، أحاول أن أرتدي ثوب الخالة القارئة لكل كفوف العائلة، فأفشل.
يظل صوتها (و..) يزعجني، أقلّب الاحتمالات:
- و.. ستكونين تعيسة.
- و.. ستمرضين.
- و.. لن يحبك.
- و.. لن تكوني أمّا.
- و.. لن تشعري بالسعادة أبدا.
- و.. ستفقدين عينيك.
- و.. ماذا أيتها الحمقاء؟ ماذا ؟
أنام تلك الليلة على جمر تساؤلي، أتخيل قبل أن يسرقني النوم أنّ
(و..) طائر ضخم سينقض عليّ في نومي ليخطفني فيلقيني في قفص ذئاب.
أتخيل أنني سأصحو و لا أرى إلا العتمة.
سأصحو و بلاطة القبر فوق رأسي.. أهزّ رأسي أتذكر، قالت: (عمرك طويل).. إذن الاحتمال الأكبر أنني سأصحو.
أغمضُ عيني على خوف، أفتحهما على ذات الضوء الصباحي المنسلّ من بين الستائر إلى وجهي، أفركهما بكفي المتماثلين تماما، ألبس في قدمي ذات الخف البنيّ، و أقوم لأكمل يومي حتى النوم بذات الطريقة أيضا.
بكفي الحزين الذي هتكت أسراره الخالة ألمس شاشة الهاتف، به أغلقه، أكتب، أرسم، أزرّر قميصي، أمسك بكوب الشاي الساخن، أضعه تحت ذقني حين يتكلمُ لأتأمله، أضمُّ كفَهُ به، أتعلقُ بذراعه، أفردُ ضوءاً على وجهه، ألوّحُ له.
بكفي هذا الذي كان وحيدا سعيدا بلا أسرار سرٌّ يؤرقني، خلقتْ منه الخالةُ بئراً لسرّ مقيت ابتلعتُه على قلقٍ و تركتني أتآكل منتظرة أي مصيبةٍ قد تريحني من الترقب.
في الجلسة الثانية التفّتْ النساءُ حولها، جلستُ بعيدا، كان وجهي في المرآة الصباحية ذابلا، لم أضع في عيني أي كحل لكن سواد الأرق أحاط بهما، كفي المقروء كان بارداً، أصابعه ترتعش، لم يدفئه شيء، فتحته لأنظر فيه فوضويا، مليئا بالخربشة، سمعتُها تضحكُ، اقتربتُ من دائرة النساء حولها، رأيتها تسحبُ كفّ صبية لتفردهُ على فخذها الأيمن:
- عسل أنت.. كفك مزهر، دربك أخضر، عريسك رائع مفصّل على مقاسك، عمرك طويل و سعيد.
ابتسمتْ الصبية، ردّت شعرها الأشقر للوراء، جلست بجانب أمّها التي هزّت كتفيها فخورة بمُنتجها المثاليّ.
وضعتْ سيدةٌ في منتصف العمر كفَّها على فخذ الخالة الأيسر، فحدّقت في وجهها لثوان، رفعت كفّها إلى الأعلى قريبا من وجهها، حنت رأسها تتأمله، دققّت فيه، رفعت رأسها تتأمل وجه السيدة، ثم عادت للكفّ مرة أخرى، دقيقة و أزاحته من أمامها:
- كفّك جاف، استخدمي كريما مرطبا، زوجك يحبك، أبناؤك جيدون، عمرك طويل و..
انتظرتُها لتكمل (و..) لم تفعل، نفضت عن ثوبها فُتات (البتي فور) و قامت.
مشيتُ وراءها، انتظرتها حتى خرجتُ من الحمام، ناولتها المنشفة، سألتها:
- قُلْتِ لي (و..) و سكتِّ.. (و..) ماذا ؟
رفعت رأسها إليّ:
- ابنة من أنت ؟
لم أجبها، مددتُ كفي أمام وجهها:
- اقرئيه.
تأفَّفت:
- يكفي لهذا اليوم، قرأت الكثير، أين القهوة ؟
مشت فتبعتها، جلست مددت كفي:
- (و..) ماذا ؟
رشفت من فنجان قهوتها:
- حسنا.
تأملته مرة أخرى، مشت بسبابتها فوق خطوطه، تمتمت، رفعت صوتها:
- – عمرك طويل، تتزوجين غريبا يحبك.
سكتتْ، انتظرتُ (و..) القديمة تأتي مفسرة، تجاهلتني، غضبت، سحبت فنجان القهوة من أمامها:
- (و..) ماذا يا خالة ؟ ماذا سيحدث لي ؟
ضحكتْ، اهتزَّ جسدها كله، نكزتني في كتفي، قالت للجميع:
- يوووه، نحن نتسلى يا بنت، نتسلى، هل تصدقين كل شيء، اهدئي، قراءة الكفّ حرام ههه.
ضحكتْ النسوة، تركتهن خارجةً، تأملتُ كفي مرة أخرى، كان وديعا هادئا، باردا، وحيدا، وضعتهُ في كفّه، سرى فيه دفء، رفعت رأسي إليه:
- (و..) أنت هنا، لا يهم ماذا بعد (و..).