هواء ساكن

هواء ساكن

بثينة الدسوقي

اللوحة: الفنان العراقي جاسم الفضل

عندما انفرط العقد مني تلك الليلة البعيدة شعرت بأن حباته لن تلتئم مجدداً وكنت محقة.. الهواء في البيت ساكن.. يجثم علي صدري.. أمرض.. وتنسل أيام كثيرة رقدت فيها علي ظهري فوق فراش بدا لي حريرياً.. أتطلع إلي سقف الحجرة.. فقط أو.. أقطف كل يوم ورقة من نتيجة حائط عتيقة الطراز لا يحفل بأوراقها أحد غيري.. أحدد تاريخاً لأمر تافه ليكون هدفاً.. كم يوماً تبقى.. لا أدري عندما أتنفس أشعر بغرابة شديدة وعندما أصحو يتملكني حنق وعندما أفكر.. لماذا لا أنحني تحت الأرائك لأجمع حبات العقد؟ لا تأتيني إجابة ولا أتفاجأ عندما تبدأ الآلام تهاجم صدري .. وعندما يجتاح السكون ذراعي.. أدرك كل مايحدث وكأنه حياة عشتها من قبل.. بل أني أزيد من إرهاقي وكأني أتعجل قطاف ورقة نتيجة لم يتحدد تاريخها بعد.

وبعد..

تدرك قسوتي علي شئوني بل لعلك تحبها لأنها في صالح راحتك.. لكنك لا تتخيل مطلقاً قسوتي علي نفسي.. ربما أنك تحنو الآن علي غير عادتك لأن ‘كفاءتي الأدائية’ قد قلت نسبتها كثيراً.. لعل أوراقك الآن تحوي رسماً بيانياً لمعدل أدائي مقابل معدل حنوك.. أتدري لو أني اطَّلعت علي تلك العلاقة البيانية لكنت أدركت أنك كنت تحنو بعض الشيء قبل أن يصيبني العطب التام.. ولكنت تمسكت قليلاً بأهداب الحياة.. هذا التفكير يمرضني أكثر، تائه أنت بين الأطباء وصور الأشعة ومواعيد طبية لا تنتهي.. كم تحجَّجت أنا للهروب منها لا أدرك حقاً سببا واضحا لاهتمامك.. يرضي غروري أن تهتم.. وينهش روحي أنه بعد فوات الأوان.

لو أنك فعلت قليلا من هذا قبلاً.. لو أني كنت أقوى قليلاً من استسلامي قبلا.. لكن الأمر انقضي.. تضمني كثيراً.. كم تميت تلك الضمة ليال طويلة.. فكنت أضمك أنا لصدري قانعة.. أقبِّل كل مافيك راضية.. لا أظن بحبي لك سوءاً.

لا يجدي الكلام.. وتمر أيام وأيام .. تتراكم ظنوني السيئة بنفسي ولكني لا أملك لها لوماً.. فقد كانت كل الأشياء محض اختيار.

أجدني رغم ضيق الوقت واقتراب القطاف، انحني تحت الأرائك..

اليوم الأخير : أفتح نافذتي الصدئة وأزيح بعض الغبار لأسند ذراعي.. وأتلهَّى بإلقاء الدر من النافذة.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.