نبيلة غنيم
اللوحة: الفنان المصري عمر الفيومي
ليلها يشكو الوحدة، بعد أن كان مرتعاً للحب والسعادة، اليوم تشاركها النجوم القلق والأرق، مواء قطة الجيران المتواصل يزيدها وجعاً، يفاقم شعورها بافتقاد الأنيس، فهي والقطة في الحرمان سواء، تترك سريرها الدافئ لتطل من النافذة تستنشق قليلا من الهواء البارد لعله يصيبها ببرودة تطفئ حر قلبها، تطوف بأرجاء البيت وكأنها تبحث عن شيءٍ ما يؤنسها، لم تجد غير جهاز “اللاب توب” نائما علي مكتبها، تناولته كمن قابل صديقاً حميماً.. فتحته برفق، فتحت أحد مواقع التواصل الاجتماعي، تحدثت قليلا مع صديقة لها، فإذا بأحد جيران الزمن الجميل يرسل لها طلب صداقة، قَبَلته، هي تعلم كم هو غبيٌ هذا التصرف! ربما قَبَلته لأن الوحدة أضنتها، أو أوحشتها الكلمات العذبة من فم رجل.
تحدثا سوياً.. بسطا الذكريات، أطلقا الضحكات علي فترة الشباب الأولى البريئة والخطابات المتبادلة بين الصديقات والأصدقاء، كما ذَكَّرها بالرسالة الوحيدة التى كتبها لها يوما، فابتسمت وكان ردها في ذلك الحين بارداً… قالت له: “رسالة معقولة، لولا أنها تمتلئ بالأخطاء الإملائية وخطك الرديء، لاحتفظت بها“.
بلغت الذكريات مبلغها حتى تقارب الوجدان وتعجبا كيف مرت سنوات العمر بهما دون أن يرى أحدهما الآخر طوال ما يزيد عن عشرين عاماً.
تسهر معه سهرة “نتية” طويلة لم يسبق لها أن فعلت ذلك، فهي لم تكن امرأة ليلية، تنام بعد السهرة كظبية مسهدة دافئة.
تحلم، تنسى الوحدة والكدر، تقابله، تتحدث معه، يشكو لها تعاسته والفاقة التى يعيشها مع زوجةٍ شرهة في كل شيء، تستزفه مادياً ومعنوياً وجسدياً، يحدثها عن فحولته وقدرته على إرواءها بما يكفي عشرة سيدات في ليلة واحدة.
تزداد جمرات الجسد المحموم اتقاداً، لكنها أبدا لن تقع في فخ إشباع رغباتها إلا في الحلال.
كان ينظر في عينيها وهو يحكي عن قدراته الخارقة في إمتاع زوجته التي يبغضها، يرى النشوة توقد وجهها بالحُمرة ورعشة الشفاه وتوترها، فيزداد يقينه بالفوز بها.
تزعجها بعض المخاوف التي تتوالد من بين أحاديثه ويبثها من خلف عينيه ثعلبية النظرة وهو يحكى عن جوى قلبه، يحرضها لتحيا معه لحظات العشق الفائتة.
تصهل بداخلها جياد الرغبة، صخب الحرمان يشعل رأسها، تشعر بيده تسرق كل حواسها، يظل يعزف على أوتار الحواس، يترنم بنغمات فوضوية ساحرة، تخضع قليلا لتلك الفوضى الآسرة.
تتعثر مشاعرها في بعض الجُمل التى أشعرتها بشيء خفي يتوارى خلف هذه العلاقة، فقد بدأ يسألها عما تملكه، ويفرد أحلامه ومشاريعه التى لا ينقصها إلا المال!!
يُضفر كلمات الغزل بشكواه من ضيق ذات اليد، حتى إنه بدأ يتقاعس عن تسديد فواتير المطعم الذي يجلسون به لتُسددها هي، وتطور الأمر إلى ان طلب منها أن تهاديه ببعض الهدايا الفاخرة، قائلا متصنعا الهزر: “أشكر الفيس بوك الذي خَبَّرني بكل شيء عنكِ، وأشكر المرحوم الذي ترك لك ثروة هائلة، سننعم بها سويا إن شاء الله“.
اشمئز عقلها من كلماته، لم يعد لديها أدنى شك في أنه يريد الاستيلاء على عقلها وعاطفتها من أجل ابتزازها وتحقيق أحلامه من خلالها، فرشت وسادتها بدموع آسفة.
سخطت على مشاعرها وجنونها والانسياق خلف أُنس مزيف.
أغلقت جميع منافذ اتصالها بالعالم الافتراضي، وبدأت بالألفة مع وحدتها.