كرسي هزاز

كرسي هزاز

بثينة الدسوقي

اللوحة: الفنان الروسي فيكتور بوريسوف موساتوف

ضحكتها الرنانة كانت تخترق الجدران التي تفصلها عنى وتكاد تزلزل أركان سكوني.. أعرف أنها امرأة غير عادية.. تسكن بيتها رائحة رجل.. أكاد أشمها من فتحة الباب الذي يتصادف تلكؤي أمامه “عامدة” وقت ذهابي وإيابي.. وأكاد أراه في قطع الملابس فاقعة اللون التي تزين حبال شرفتها المزدانة بالنباتات وتجلس فيها وقت قيلولة البشر عارية الذراعين على كرسيها الهزاز.. فألمح حركات من خلف الشيش المغلق في كثير من الشرفات المجاورة

هى ليست غانية.. أو هكذا أفكر أنا

وكما أنها ليست غانية فهي أيضاً ليست قديسة.. إنها ليست سوى امرأة مطلَّقة وحيدة وقد جرت العادة على أن هذه الحالة الاجتماعية وصمة.. وهى وُصِمت بذلك فاستمرأت الوصمة.. ولم تهتم بأقاويل لن تتركها لحالها حتى لو تغطت من أصابعها لأطراف قدميها.. وقتها سيتقوّلون عليها بأنه ستار..هكذا أفكر أنا..هكذا أراها

وأنا لست قاضية لأحاكمها وأجلدها وأصلبها على نُصب استقامتي

هي حرة

وألتمس لنفسي كذلك حرية مراقبتها.. ونقدها.. وإخفاء شغفي بها عمن حولي.. وعن نفسي إن استطعت..

تخترقني ضحكتها فأدرك أنها ليست وحيدة في هذه اللحظة.. وأنها تمتلك شيئاً يجعلها غير وحيدة مثلي.. توجعني فكرة أنوثتي المنقوصة فأطرد شبحها عن ذهني وأحكم إغلاق حجرتي لتراني مرآتي كما خُلِقت.. وأحاول البحث في ثناياي عن ذلك الجزء الذي يجعلني أُحجم عن شراء كرسي هزاز في شرفتي..

ولا أجد

سعيدة أنا بكوني أنا رغم كل شيء

هكذا أخدع نفسي..

رغم إحكام إغلاق باب حجرتي كل يوم لأنام مع أحلامي التي سئمت تكرارها.. ذات الهوة السحيقة التي تتوقف عندها مشاهد حلمي ولا أجرؤ على الخوض في المزيد

وتعود وتخترقني الضحكات.. فأتسلل من فراشي إلى حيث هي تعبث ضاربة عرض الحائط بوسوسات الجيران.. نسوة حاقدات-مثلي- ورجال لاهثون.. أرقبها من وراء حجاب علّى أدرك سرها.. تدق الساعة معلنة الواحدة صباحاً في ساعة الحائط القديمة.. أدرك أنني عبرت ساعة بعد إتمامي لعامي الخامس والثلاثين.. وأدرك أكثر وأنا أعود لفراشي أن حلمي برجل.. أشم رائحته.. في ملابسي.. وعلى جلدي.. صار مقترناً بفصيلة أخرى من الرجال.. ذلك الرجل الذي ساء حظه مع امرأته فتركها باحثاً عن بداية جديدة لن تخلو من ذكريات وربما أطفال.. أو ذلك المتصابي الذي..

لا بأس.. 

ما زلت سعيدة بكوني أنا رغم كل شيء

هكذا أخدع نفسي.. 

لقد نلت من الدنيا في عمري القصير ما تحسدني عليه الكثيرات.. عملا موفقا.. وبيتا راقيا.. وأهلا متفاهمين..

تطلعت من خلال الستائر التي تحركها ريح خفيفة إلى شرفتي المفتوحة.. لم يمنعني الظلام هناك من تخيُل كرسي هزاز تتأرجح عليه أجزائي وقت قيلولة البشر.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.