صالحة الكانوني
اللوحة: بعنوان «العذراء» للكاتبة صالحة الكانوني وهي فنانة تشكيلية مغربية، استخدمت فيها مسحوق الجوز على قماش بقياس 80/100 سم.
مدت يدها المرتعشة بسرعة مجنونة، تتحسس بغيتها بين قطع الثوب الملقى بجانبها فوق أكياس السلع.. لمست بيدها اليمنى المقص الكبير الذي تستعمله أثناء الخياطة، رفعته بعدما تمكنت منه جيدا.. غرسته يكل ما أوتيت من قوة في الجهة اليسرى من بطنه، ألقى مهتزا رأسه للأعلى، واضعا يده على قبضتي المقص، وعيناه جاحظتان من شدة الألم، لا يكاد يصدق ما حدث.
انفلتت منه وراحت هاربة لا تدري أين تقودها رجلاها، تتلفت حولها تارة، وتجر بيديها ما تبقى من ردائها الممزق تارة أخرى.
قطعت مسافة طويلة وهي حافية القدمين، الوقت وقت الظهيرة، حرارة الألم الذي تشعر به أنستها حرارة الشمس الحارقة، حدقت بعينيها المغرورقتين متفقدة المكان حولها؛ علها تجد ركنا تنزوي إليه لتواري سوأتها، دقات قلبها كقرع طبول حرب دامية لازالت تعلن عن بدايتها.
وجدت أخيرا زاوية صغيرة وسط زحام الفراغ، اختبأت مطأطئة الرأس، أسندت ظهرها للحائط المتهالك تحتمي به من جوع الطريق، وأغمضت عينيها اللتين ازدادتا جمالا بمطر البكاء، فشع منهما بريق براءة يأبى الانكسار، وشعرها المنفوش على جبينها الأبيض النقي يرسم لوحة بهية في حين يتصبب عرقها على جانبي وجهها، إنه عرق البؤس والفقر الذي لا يرحم شبابها، ولا يصون كرامتها، وربما كان سببا في طمع الطامعين، وغدر من لا قلب لهم ولا ضمير.
تذكرته كحلم مزعج، هذا الرجل البشع، مشغِّلها بمعمل الخياطة، كيف هاجمها كذئب شرس وجد فريسة ً في الصحراء، تذكرت مكالمته حيث استدعاها خارج وقت العمل بدعوى “شغل طارئ”.. الحاج ذو اللحية البيضاء.. لا يُتوقَّع منه إلا المساعدة وعمل الخير، كان مواظبا على شراء الدواء لوالدتها المريضة بالسرطان، دفع فاتورة المستشفى الباهظة دون تردد، وكلما مر ليعود أمها ويطمئن عليها، كان يؤكد مرارا وتكرارا أنها ابنته الغالية، وأنه لن يدخر وسعا في رعايتها وتوفير ما تحتاج إليه، وهو الذي أصر أن تعمل لديه في المشغل مقابل أجر معقول لم تكن لتناله في عمل آخر إلا بشق الأنفس، تتذكر كيف كانت تسعى جاهدة لترد دينه بالعمل الجاد والمسؤول، تشتغل دون كلل ولا ملل اعترافا بما أسداه لها من جميل.
تذكرت ملامحه وتفاصيل وجهه وكأنها عرفته للتو، تذكرت الوحش الذي سرق عذريتها وحياتها، سرق أحلامها البسيطة، فانخرطت في أنين نازف لن يعيد لها براءتها إلى الأبد..