اللوحة: الفنانة الهولندية هنريت رونر
أحلم كثيرًا بنومي الشحيح، حتى أن أمي كانت تقول أن نومي كنوم القطط، لا يكاد ينطبق جفن العين حتى أستيقظ لأقرب همسة أو شاردة تمر بجواري، لكن لا زلت على عهدي، كلما صحوت تتبخّر الأحلام كدخان في يوم عاصف، غير أنّي منذ أيام لا تزيد على أسبوع، يأتيني حُلم ثابت، ” غادة” لعلّها تمت بصلة نسب ل”أفروديت”.
تقترب من وجهي، تهمس بأذني: استيقظ، ما أطال النوم عمرًا، فإن فتحت عيني والتقت بعينيها العميقتين، تُثني بقولها: صباح الخير، تقولها ليست كقول البشر، تخرج الحروف من بين شفتين مكتنزتين، تضجّان بالحياة..
ولأنّي أعرف نفسي “قطعة من حجر صوّان” أتثاقل في الرد كل يوم، حتى وأمد يدي لألمس أناملها، على رغم يقيني أنها حقيقة وأن ما أراه رأي العين هو الواقع، عندها تنزاح ستارة الرؤية للخلف، تحل عتمة بالغة ويهطل على عيني من جديد نوم عميق، من بعيد يأتيني صوت زوحة تتشاجر مع زوجها، قائلة له: نوم الظالم عبادة.
سوء الأدب
بينما قطّي الأليف يغفو بحجري، يفصل بيني وبين حاسوبي المحمول، يغمض عينيه وأجزم أنه يتصنع ذلك، فقد رأيته يرمش بعين، يتابع ما أفعله ويرقبني، حينها وردتني رسالة: حاضر!
فتعجّبت: أي حضور جميل هذا؟ فبادلتها تحية بأخرى، ثم امتد حبل الكلام بيننا، وقطتي اللئيمة تحرّك ذيلها برفق كأنما تؤّمن على حديثنا أو توافق عليه.
سألتها: ما بال ابداعك، تخفينه عن الناس؟ وذكّرتها بأن أشد أنواع الشُح، ما يكون بوأد النصوص عن العيون.
أقسم أن رموشها الساحرة قد تحفّزت للهجوم، برهة ثم ابتسمت، اتسعت بسمتها لتصبح ضحكة رائعة صافية، وأقسم أنّي علمت ذلك حينما اضطربت حروف لوحة مفاتيح حاسبي واهتزت كراقصة ” باليه “، ثم ردّت بقولها: لمَ أخفِ ذلك؟
وأثنت بقولها: من سوء الأدب مواراة الأدب، لكن وقد بان كدر على كلماتها التي وفدت إليّ: قاتل الله المسئولية، هي ستارة سميكة تفصل بيني وبين إبداعي، تنهّدت في مكانها فشعرت بلهيب أنفاسها تهّب على وجهي، ثم قالت: صخور تتراكم فوق كتفي حتى أضحيت أقرب ل” سيزيف”، كلما ارتقيت وأيقنت أنّي أوشكت على البلوغ، اضطربت الأرض تحت قدمي، فأنحدر لأسفل من جديد، قدر يلازمني دون أمل في ….
ثم صمتت لفترة، بعدها هطلت عتمة أصابت شاشة حاسوبي، فعَزَفَت عن البوح.