اللوحة: الفنان الفرنسي جين جوليان
الحديث عن التنمية المعلوماتية والدفاع المعلوماتى المشترك في هذه الآونة التي يكتسح فيها الساحة العربية، جوٌّ من الانقسام والتشاؤم والترقب يأخذ الأنفاس، ويكمم الناس بأجواء فيروس كورونا، قد يبدو أمرًا مستفزًا يجيء في غير وقته، وربما يتهم صاحبه بالانعزال والغناء خارج السرب، وعدم الإدراك لضغط المشاكل التي تطحن الوطن العربي من حدود الماء إلى حدود الماء، وهي وجهة نظر تستحق الاحترام، إذ لها مبرراتها المسكتة.
غير أن قضية المعلومات سوف تظل تطرح خيارات عاجلة وخطيرة لابد من مواجهتها بحسم فاهم، إذا أردنا الخروج من جهامة مأزقنا الورطة، فلابد من التحرك المزدوج، تحرك ينشغل بالحاضر ويقوم على مبدأ إدارة الأزمات ، وتحرك يسعى بإخلاص متحمس لكي يكون المستقبل العربي أقل تأزمـًا.. يقول الدكتور نبيل علي: إن حاجة العرب إلى منظور عربي للتنمية المعلوماتية أشد من حاجتهم إلى أي منظور آخر لأي شكل من أشكال التنمية، وذلك للعديد من الأسباب المقنعة التي ساقها الرجل في كتابه القيم العرب وعصر المعلومات (سلسلة عالم المعرفة.الكويت).
فالمعلومات في وطننا العربي أصبحت مشردةً بيننا، يتنازعها أهل الاتصلات، وأهل الكمبيوتر، وأهل الإعلام، وأهل المكتبات، وينعزل عنها مثقفونا ومفكرونا ظنـًا خاطئـًا منهم، أن لمعلومات هي صنعة لفنيين.. ذلك خطأ يشبه الخطيئة إن شئت الحقيقة، أما الفنيون فقد حصروا أنفسهم في الجانب التكنيكي للمعلومات، وتركوا جوانبها الأخرى، شديدة الأهمية والتشعب، مع أنها قضايا أساسية في الثقافة والاجتماع والسياسة في المقام الأول.
وإذا كنا جادين فعلاً في البحث عن الخروج من الورطة التي لم يعد أحد قادرًا على تجاهلها حيث لن تترك غنيـًا ولا فقيرًا، ولا قريبـًا من مركزها ولا بعيدًا – أقول إذا كنا جادين فعلاً، فإنه يصبح من حتم الحتم، بل من فروض العين على المثقفين وقادة الرأي وصناع السياسة أن يدلوا بدلوهم في هذه القضية المصيرية، بما هو مختلف عما تعودنا من حديث الوصايا والتعليمات البراقة والكلمات الخطابية الرنانة التى تهز عواطف الجماهير من مثل: ضرورة تنمية القرارات الذاتية، ومثل: سد الفجوات الحضارية، ومثل صناعة المستقبل وامتصاص الصدمات المستقبلية إلى غير هذه اللافتات التي تزول قبل نهاية الخطبة الجماهيرية الحماسية.
إننا في الآونة الأخيرة – وعلى نحو حادّ – أشد ما نكون حاجة إلى لجم مشاكلنا الشائعة والانكباب على وضع ما يجب أن يسمى الدفاع المعلوماتي المشترك ليكون في مواجهة الوضع الشديد التميز للعدو المجاور في مجال التكنولوجيا المتقدمة بصفة عامة، وتكنولوجيا المعلومات بصفة أخص، ولن يكون ذلك جهدًا لفرد أو مؤسسة مهما امتلكت من إمكانات، إذ هو عملُ الكثيرين مجتمعين منخرطين في البحث عن الأمن المعلوماتي، في عصر أصبحت المعلومات فيه أحد أفتك الأسلحة في الدفاع والهجوم جميعـًا.
الأمر في تصوري إذن، هو أكبر من مجرد امتلاكٍ لمعلومات، أو مواكبةٍ لمجتمعاتٍ متقدمة خشية أن نتخلف نحن العرب عن الغرب.. البديل في حالة استمرار هذا الوضع المعلوماتي التعيس، سوف يدفع العرب متفرقين أو مجتمعين إلى الدوران في دوامة خطر الموت دهسًا، تحت عجلات التكتلات المعلوماتية التي راحت تحكم حركة المجتمع العالمي المعاصر.
ستقول – عزيزي القارئ – إن هذا منظارٌ رمادىٌّ للمستقبل أو هو فى الحق، للأسود أقرب.. نعم.. ولكنه أفضل كثيرًا من الانشغال ببناء أبراج الأسمنت، وشق الطرق ـ وترك الشباب يتساقطون فى حفر التعليم المتخلف، وفى عنابر الصحة المريضة.. هذا المنظار الرمادى المخيف والمحذر، هو أفضل من الصمت الأبلهِ، والتجاهل الأحمق لقطار الخطر الداهس، وهل لحكيمٍ أن يزعم أن يكون علاج المريض فى غرف العمليات الكبرى، مسليا وممتعـًا؟.