محمد عبد الحافظ ناصف
اللوحة: الفنان المصري طه القرني
برسيم
نلعب معاً في التراب، نبني بيوتا من الطين، نهدمها ونعود ثانية نلعب في التراب، “إيمان” جارتي في السكن والمقعد في الحضانة، أكتب في كراستها وأرسم ولدا وبنتا ونخيلاً، تأكل من طعامي، أطيل النظر للعينين الخضراوين الزرقاوين.. البحر.
كانت أمي تقول: إن عينيها برسيم عراقي، فلا أعرف العراق، ولا أعرف عن البرسيم إلا أن الدواب تأكله في مواسم الشتاء.
خطـوط
تعلمت أن أخط بأناملي الصغيرة في وريقات بيضاء، وتعلم صديقي سعيد أن يأخذ مني “عبير” ويلعب معها الصندوق، كانت أخرى تشدني بعنف كي ألعب معها، كادت تخلع كتفي، كانت أكبر مني وأخشى أن تنفرد بي.. قد تضربني.
عادت “عبير” إلى مدينتها الساحلية بعد الحرب، تركت عروستها وعلبتها تحت السلم، ما زال الصندوق مرسوماً للآن، فلم تفلح عوامل التعرية في إزالته لكنها رسمت في وجهي خطوطا طولية وعرضية تتسع لحجل عبير.
حصار
قلتُ للبنت ذات الضفائر أن لا شيء معي يكتمل.. فلم تصدق وشردتُ.. كانت تلملم خواطري المنسابة من عيني ولا تبكي، والبنت ذات الرتوش تمسح لا شيء من عينيها السوداوين وترتدي نظارتها “الريبان”، والوالد يؤدي دوراً بارعاً على خشبة الروح، والأم تنتفض نفس انتفاضتك التي ورثتها عن أمك.. فهل كنت صادقاً حقاً، أم كان الصدق ينتظر الجميع على عتبات الشقة؟! لا شيء معك يكتمل.. قلت للبنت ذات الضفائر، فلم تصدق.
اختيار
لي اختيار روحك ولك اختيار الأرض، فلا يهم أنك تملكين طول الشعر، ليل العين، رقصات الغزال، مستجير برمضائك، مولع بكبش الجمر، نتف من روحك تناثرت داخلي، امتلأت نوراً قدسياً لكني ما زلت منطفئا، أنتظر مرافئ القلب، يعلو موجك داخلي، أختبئ خلف صخورك، لكنك أبداً تعرينني، يلطم وجهي رياحك، تفرين مني كالليل والنهار لما أود تحسس روحك، أطير خلفك بجناح الشوق إلى أعلى، أتصاعد حتى أصل إلى اللامنتهى، أحترق..
هئت لك
تهل عليَّ من شرفة الروح، تناديني، أهرب داخلي، تطاردني حتى النهاية، أفر.
(الآن قُد قميصي من دُبر) فرحت بالنجاة وغلقت الأبواب وقالت:
اهرب إن استطعت، هرعت إلى الأبواب أفتحها، وجدت رؤوسا تخرج ألسنتها، رجعت خائباً.
(الآن قد قميصي من قُبل)
سقطت أتهاوى فلم أجد أرضا أصطدم بها كي أموت، ما زلت معلقا بين السماء والأرض.