يوسف بولجراف
اللوحة: الفنان الهولندي بالتاسار فاندر آست
عندما كانت الأرض عذراء، ولا يزال يخرج منها البخار! يجوبها الإنسان كما لو أنه فوق السحاب، والينابيع تتدفق في كل مكان، وأصوات أنفاس الأرض مندمجة مع أصوات المخلوقات الأخرى العجيبة بما يشكل سنفونية من سنفونيات الطبيعة الحرة، والتي لا نسمع عنها إلا في الأساطير، مع أن كل أسطورة فيها شيء من الحقيقة.
كانت تلك المرحلة هي مرحلة التعافي بعدما مرت على الأرض مخلوقات خطيرة قبل وجود الإنسان، مخلوقات أخطر من البشر، تشن الحرب على بعضها البعض حتى انتهى بها الأمر إلى الفناء، مخلوقات لم تدرك قيمة الأرض، الجنة التي كانت فيها! وبعدما جاء الإنسان ومرت العصور.. حتى العصر ما قبل الطباشيري الأول، بداية عصر الأساطير، حيث كانت قبيلة تعيش فيها نساء فقط بمفردهن، ومن عاداتهن عندما يبلغن سن الزواج أن يذهبن إلى قبيلة الرجال التي لم تكن بعيدة عنهن إلا بمسافة صعود تل ونزول سهل ونهر ونبع ماء، حيث يتدفق شلال بخيوط فضية في بحيرة، ثم سهل، فقبيلة الرجال، وذلك من أجل للعثور على زوج مناسب لكل فتاة؛ ولكن قبل وصولهن كان هناك تقليد وهو الاستحمام على أطراف البحيرة قرب الينبوع! يسترحن ويتزين، ليبدين في أجمل صورة، وكل هذا كان تحت أنظار هيرا إلهة الغيرة! التي كانت ترصدهن من فوق. جمالهن هيج مشاعرها واستشاطت غضبا فأرسلت رسولها الذي وضع على ملابسهن الملقاة بجانب النهر مسحوقا سحريا، وما إن خرجن من النهر ولبست كل واحدة ثيابها حتى تحولت إلى زهرة، هكذا ببساطة تحولن جميعا إلى ورود، وأصبحن حديقة جميلة ممتدة على ضفاف البحيرة، وفيها كل أصناف الزهور.
رجال القبيلة الأخرى انتظروا طويلا وهم يترقبون قدوم النساء؛ فمن عادتهن الحضور في الموسم دون تأخير، فتساءلوا عن سر تخلفهن عن الموعد! فقال شيخهم : ربما كانت هناك قبيلة أخرى من الرجال غيرنا و ذهبن إليها!، كل هذا أيضا كانت ترصده أفروديت إلهة الحب، فجاءهم الرد بسرعة، إذ أرسلت إليهم رسولا يبلغهم الحقيقة و معه طريقة لإبطال سحر هيرا، فاتجه الرجال نحو الينبوع حيث الحديقة، وكان كل رجل ينساق إلى وردته بعبق عطرها الخاص، يلامسها ويشتم رائحة العطر الذي يفوح منها، فكان الحب هو الترياق الذي يبطل السحر فتعود الزهرة مرة أخرى كما كانت امرأة، لكنها امرأة تحمل رائحة الزهرة الجميلة التي كانتها، هكذا عادت كل زهرة لمسها من تستشعر حقيقة حبه ومشاعره الصادقة إلى امرأ كما كانت! وهكذا أيضا أصبحت الورود والزهور مرتبطة إلى الأبد بالحب و في كل وردة قصة امرأة، و في كل عطر رائحة امرأة تجذب قلب الرجل الذي يعشقها.
هكذا في البدء كانت كل زهرة امرأة، وبعدها ولدت أسطورة المرأة الزهرة كما تقدمها الأسطورة! لأن لناس تفقه الأساطير، باستثناء ذلك الشخص الذي يسير في الشارع ولا ينظر إلا إلى هاتفه المحمول فقط.