قطعة جاتوه

قطعة جاتوه

حسام أبو العلا

اللوحة: الفنان الأميركي يعقوب لورانس

خلف لوح زجاجي يقف بملابس الممزقة، حافي القدمين، عيناه تخترقان كافة الأطباق التي تضم مالذ وطاب من الأطعمة الفاخرة، طالبت النادل بتجهيز وجبة ووضعها في علبة، وبعد الانتهاء من تناول العشاء وفي أثناء انصرافي، دنوت من هذا الطفل ومنحته علبة الطعام.

رمقني بنظرة متعجبة، وقال والضحكة تعلو وجهه: هل بها قطعة جاتوه؟

أجبت بسخرية: هل هذا شرطك لقبول العلبة؟

رد بإنكسار: أقف كل ليلة في هذا المكان وأحلم بالتهام قطعة جاتوه بالشوكولاتة، أما الأطعمة الأخرى فاتذوق أغلبها من البقايا في سلة المهملات المجاورة للمطعم، وأجمع كمية أخرى لأعود بها لأمي وشقيقتي ليسدا رمق الجوع.

تسمرت قدماي وشعرت بالخجل من التهكم على هذا البائس وطالبته بالبقاء دقائق، عدت إلى المطعم وطلبت علبة جاتوه، وخرجت أبحث عنه فلم أجده، واندهشت من رحيله على الرغم من تأكيدي عليه بالانتظار.  

عدت إلى بيتي ووضعت أمامي علبة الجاتوه أنظر إليها بحسرة، وصورة الطفل التي تتلخص أحلامه في قطعة جاتوه لا تفارق خيالي وتقض مضجعي.

في الليلة التالية جلست على الطاولة ذاتها ولمحت بعض الصبية يتسولون في محيط المطعم ليس بينهم “طفل قطعة الجاتوه.

غادرت المطعم سريعا وسألت أحد الصبية عنه فقال إنه يتسول أمام مطعم في شارع مجاور، ابتعت علبة جاتوه وذهبت للطفل وعندما لمحني أطلق ساقيه للريح واختفى في لمح البصر.

زادت حيرتي لماذا يفعل ذلك؟.  

بعد عدة أيام اصطحبت خطيبتي إلى المطعم الذي اتناول فيه دائما العشاء، انبهرت بالمكان وأضوائه الخلابة، وفجأة رأيت الطفل يقف في المكان ذاته ولم يلحظ وجودي، خرجت مسرعا ما أثار استغراب خطيبتي وقبل أن يهرب أمسكت به، فتساقطت الدموع من عينيه.

قال والرعب يسيطر عليه: أرجوك لا تسلمني للشرطة؟

رَدَدْتُ عليه مندهشا: من أخبرك بذلك؟

قال باضطراب: ظننت ذلك عندما طالبتني في المرة السابقة بالانتظار  

أجبت: ذهبت لأحضر لك علبة جاتوه

بلهفة قال: بالشيكولاتة

فقلت بابتسامة: نعم جاتوه بالشوكولاتة انتظر سأحضر لك علبة جديدة.

عدت سريعا إلى المطعم واعتذرت لخطيبتي وطالبتها بالانتظار ثوان معدودة وساشرح لها كل شيء، كانت شرارة الغضب تتطاير من وجهها بعدما شعرت بحرج بالغ لتركها فترة طويلة وحيدة.

طالبت بعلبة طعام وأخرى جاتوه وأعطيتهما للطفل الذي كاد يحلق في السماء بجناحين من السعادة، حينها فقط شعرت براحة وطمأنينية، وأن الدنيا وما فيها يتضاءل أمام البهجة التي رأيتها على وجه هذا المسكين

هرولت إلى المطعم، وجدت المنضدة خالية، فقد رحلت حبيبتي وتركت عليها “دبلة الخطوبة”.  


صفحة الكاتب في حانة الشعراء

رأي واحد على “قطعة جاتوه

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.