كان البحر

كان البحر

أحمد فضل شبلول

اللوحة: الفنان الأكراني إيفان إيفازوفسكي

كنتُ أعانقُ هذا البحر

وكان البحرُ يعانقني

كنتُ أجالسُه .. فينادمني

ويبشُّ – صباحا – في وجهي

وأبشُّ – مساء – في قسماتِ مفاتنه

كنتُ أعانقُ هذا البحر

البحرُ شبابٌ

والكورنيشُ يشيخ

الرملُ يطاردُ أحلامي

والأحجارُ تُمغنِطُ أقدامي

والمصطافونَ يصرُّون الأمواجَ،

ويقتسمونَ رصيفَ الليل،

ويلتحفونَ نسيمَ البحر

(يا بحرُ إنَّا نبتعد

يا صيفُ كيفَ نبترد؟)

كنتُ أعانقه .. ويعانقني

وأجالسُه .. فينادمني

جاءتْ هذي المصطافةُ – عصرا –

عيناها موجٌ وكتاب

شفتاها فاكهةٌ وعذاب

كلمتُها .. موسيقى ووداد

سألتني عن عنوان “عروس البحر”

فقلتُ :

(في ليالي شهرزاد

في جبين السندباد)

سألتني عن ميلادِ المدِّ

وعن ميعادِ الجزر

وعن مخبأِ جنيّاتِ الليلِ الأسحم

سألتني عن كنزِ الإسكندر

عن موقعةِ أبي قير

عن الفتحِ العربي

ودواماتِ التاريخ

سألتني ..

فأشرت ُإلى قلعةِ قايتباي

إلى مئذنةِ أبي العباس،

إلى الميناءِ الشرقي

إلى هذا الموجِ السابحِ في عينيها

سألتني ..

أمسكتُ بكفيها

حملقنَا في هذا القمرِ الغارب

في تلك الشمسِ الهاربة

قرأتُ التاريخَ الأندلسي

قرأتُ حضاراتِ دمشقَ وبغداد

سمعتُ المئذنةَ الألف

رأيتُ العرشَ وبلقيس

طبعتُ الغزلَ العربيَّ على الشفتين

محوتُ حدودَ الخجل المصري

دعوتُ الحبَّ إلى النهدين

فهاجَ البحرُ

وماجَ الرملُ

ارتفعتْ راياتُ الزمنِ السوداء

فرَّ الكورنيشُ إلى البرِّ

سهرتْ دوَّاماتُ التاريخِ على عمري

أتت البلدان

يحملنَ الأكفان

فاشهدْ يا قلبي

حزنَ الأزمان

رُفعت راياتُ البحرِ السوداء

ومازال المصطافونَ يصرّون الأمواجَ

ويقتسمونَ رصيفَ الليل

ويلتحفونَ نسيمَ الفجر

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.