بثينة الدسوقي
اللوحة: الفنان الأميركي يعقوب لورانس
أنا خارجة على النص،
بكل المقاييس أعرف ذلك لأني بدأت أعبر فوق العبارات التي تم تلقينها لى على مر الزمن، أنظر من بعيد وأنا على خشبة مسرحي الضخم لذلك المختبئ في الكمبوشة يعيد على مسامعي مراراً وتكراراً، ذلك العفن، بل انني انظر إلى رأسه القابعة فى مستوى حذائي وأطرب لتخيل حذائي بفمه
يصرخ مخرج العرض: ـ
ـ لا يوجد فى المسرح الحديث كمبوشة يا ست الستات، إنه فقط الحوار المعتاد، سترددينه كما اتفقنا
أجدني أعود، وأدقق فى كلمات الحوار
النص الأصلي: ليس لى سواكَ يا حبيبى، أنا مِلك يديك
ولكني لست ملكاً له ولا لأي كائن كان، لست رابطة عنق ولست سيارة ولست غليوناً يحمله أو يلقيه، لست في جعبته لوقت حاجة يخرجني من مكمني، ولست…
ـ ينتظرك البطل يا ست الستات، أرجوك تكلمي
أنا: ليس لى فى الدنيا غير إحساس بحُبك، واحتياج لوجودك، وفقط
يصمُت المخرج هذه المرة مشيراً لي بالاستكمال
أنا: وبعد، ماذا تريد مني غير الحب، ألا يكفيك الحب؟ أجزم أنه لم يعد يكفي لأنك تضيق بكوني، أنا
البطل موجهاً حديثه للمخرج: ـ
ـ هذا خُروج فاحش على النص، يخل بكل الرواية، كيف لي أن أُكمِل وأُجيب؟
أنا: جرِّب أن تُجيب بعباراتك، ستتسق لو أنك صبرت قليلاً
هو: عندما أنظر لتاريخنا معاً أتأكد أنك لي، لا تهمني قتامة الحياة وقت الغضب، لأنك هنا دوماً
النص الأصلي: نعم، أنا بجوارك فافعل ما شئت، وتأكد أن رصيدك فى قلبي بلا انتهاء
ولكن، كيف أنطق بهذه الكلمات، وهل يوجد رصيد لأي شيء في الدنيا بلا انتهاء، هل هناك عطاء كموج البحر في مدِّه بلا انتهاء، أمَا من جذر؟، أما من نفاذ لدقائق الصبر؟ أمَا من رغبة بعيدة آتية لا ريب في مبادلة مشاعر صارت محسومة بحكم الأيام؟ أما من..؟
أنا: أنا لن أكون هنا دوماً، قابعة فى انتظار لحظة عطف، شاكرة لك القاء ذرة من مشاعرك تجاهي، ألا تفكر يوماً بأن تعطي؟ سئمت كوني هنا، ربما يتوجب عليك أن تشعر بإمكانية وجودي هناك، بعيداً
يصرخ البطل مجدداً ومهدِداً بالانسحاب من العرض وتحميلي مسئولية ذلك لعبثي اللامبالي بالنص
ينظر لي المخرج فى إشفاق، يراني أبكي فيشعر باستحالة تراجعي عن نصي الجديد، فيهمس فى أذني: ـ
أُوافقك على نصك فهو أقرب إلى الواقعية وأصدق تأثيراً، ولكن قليل من التروي حتى لا نسدل الستار قبل بدء العرض، امنحيه فرصة فى حوارك، فرصة أخيرة، أعرف أنكِ لستِ من النوع الذى يهوى التألق وانتزاع التصفيق من جمهور المشاهدين، ولكنه يظن ذلك، وأنتِ تعلمين غروره، أنتِ قادرة على خلق حالة التوازن
نستكمل وسط صمت الجميع
هو: أعلم أنك امرأتي، وأني أول من تفتَّحت له مسام قلبك، ولذا، أشعر دوماً بالاطمئنان لوجودك في حياتي، لا يساورني شك في أننا قادرين دوماً على عبور لحظة ضيق
النص الأصلي: نعم فأنا لا حياة لي بدونك
أنا: لعلها أعمق من لحظة ضيق، لعله سرطان استشرى فى خلايا الحب وعليك أن تعالجني منه، أعلم أنه فى آخر مراحله، وأنك تغالط، وأنى أحتضر، وأنك لا تهتم غير بامتلاكي، حتى وإن صرت جثة بين يديك
هو
ينسحب انسحاباً نهائياً من العرض
ويقف المخرج باسماً، مصفقاً، يقودني مع دموعي إلى مصحة للعلاج.
الكمبوشة: مكان واطيء على خشبة المسرح كروي الشكل يختبيء فيه الملقن لتلقين الممثلين الحوار المفروض وقد بدأ وجودها في مسارح أوروبا وانتقلت إلى المسرح العربي القديم.