حسن عبد الموجود
اللوحة: اليمني عبد الفتاح عبد الولي
لم نشاهد (سُلُم) والكثير منا لا يعرف إن كان لها ابن حقًا أم أنها لم تنجب ذكوراً واختاروا لها اسمًا تنادي به كما جرت العادة في قريتنا المصرية المعدمة (قحافة) في كل صباح يصحبني طبقي كالعادة في رحلتنا الشاقة إلي دار أم سُلُم أكاد أقسم أن طبقي العزيز لو استطاع أن يفر من تحت إبطي إلي حيث لا رجعة لفعل من هول ما يلاقيه من حيرة وعذاب صبيحة كل يوم في يميني كسرة الخبز المعتادة ويسراى تطبق بكل قوة على قطعة النقود ذات العشرة قروش والتي يبتلعها جيبي العميق الذى يمتلئ بالثقوب من كل جانب وفي الطريق يقابلني بعض أصدقائي كالعادة ولكننا نعرف أن هذا ليس وقت اللعب فتتلاقي أعيننا في صمت دون أن تفتر ثغورنا المليئة بكسرات الخبز عن أية ابتسامات وهناك على باب أم سُلُم نقف في هدوء ونظام كل منا يفكر فيما وُصِّي به من كلمات رقيقات يحملها إلي هذه المرأة العجوز التي كانت تُعتبر المسئولة عن إطعام الكثير من أهل قريتنا كل صباح يداعبني صديق لي وأكاد أن أنساق معه في الدعابة غير أنني أتذكر ما تلقيته من تعليمات (عائشة) الصباحية جدتي الغالية والتي كنت لشدة حبي لها أطيع أوامرها دون نقاش.
(انتبه لما معك من نقود.. سيكون أخوتك في انتظارك.. لا تتلكأ حتى لا تكون سببًا في تأخر أبيك عن العمل.. أطلب منها أن تملأ الطبق جيدًا.. )
كم كنت أهتم بهذه النصيحة بالذات أكثر من باقي النصائح فالأربعة صاروا خمسة وأخي الأصغر أكمل عامه الثاني وأصبح يجلس معنا حول طبق الفول الصباحي كواحد منا وماتزال القروش العشرة كما هي لم تزد مليمًا واحدًا ومايزال مرتب أبى يمشي كالسلحفاة عله لا يزيد أو يكاد يجىء دورى وأملأ أذني العجوز بكلمات الإطراء العائشية العميقة حتى تملأ طبقي الأعمق.
ثم أعود أحمل غنيمتي مسرعًا إلي جدتي الغالية تنقض يسراي على حبات الفول البارزة على حافة الطبق فتلقيها في سهولة ومهارة إلي فمي الذى انتهي منذ قليل من التهام كسرة الخبز الجافة مخالفًا أهم تعليمات جدتي رغمًا عنى فالجوع أقوي من أى عاطفة.
وعند الباب.. بابنا الخشبي العملاق.. تخلصني جدتي من براثن اخوتي قبل أن أنكفئ على وجهي ثم تكون الصاعقة عندما تحدق جدتي في الطبق كالعادة وتصرخ في وجهي.
- عد فأطلب منها أن تملأ الطبق جيدًا كما أمرتك.
وأعود إلي أم سُلُم التي تعودت أن تراني أكثر من مرة كل صباح فليذهب أبي إلي العمل دون إفطار واخوتي إلي الحقل وأنا إلي أم سُلُم وكان الله في عون الطبق.